گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد پنجم
أقسام القطعوأحکامها … ص: 129







اشارة
ص: 131
فهو کالنور، وهو أقوي الحجج علی الأحکام الشرعیّۀ، وقد - «1» القطع- کما عبّر صاحب الکفایۀ: یکشف عن متعلّقه تمام الإنکشاف
تقدم الکلام علی حجیّته، ثم ذکرنا أنه تارةً یکون مطابقاً للواقع واخري مخالفاً له، فتعرضنا لمسألۀ التجرّي بهذه المناسبۀ.
القطع الطریقی والموضوعی … ص: 131
اشارة
وینقسم القطع إلی الموضوعی والطریقی، ویترتّب علی ذلک البحث عن قیام الطرق والأمارات والاصول مقام القطع وعدم قیامها، وفی
صورة القیام، فأيّ قسم؟
القطع الطریقی، هو القطع الذي لیس له إلّاجهۀ الطریقیّۀ إلی الواقع وحیثیّۀ إرائۀ الواقع، من دون دخلٍ له فی أمرٍ واقعی أو اعتباري، فإذا
قطع بالخمر، لا یکون لقطعه أثر لا فی خمریۀ الخمر ولا فی حرمته.
والقطع الموضوعی، هو القطع الذي یکون- بالإضافۀ إلی ما ذکر- مورد أخذ الشارع فی حکمه أو موضوع حکمه، کأن یجعل القطع
باجتهاد زید موضوعاً لجواز تقلیده، وبعدالته موضوعاً لجواز الصّلاة خلفه … وهکذا.
__________________________________________________
. 1) درر الفوائد فی حاشیۀ الفرائد: 5 )
صفحۀ 78 من 204
ص: 132
الفرق بین القسمین … ص: 132
وجود ثلاثۀ فروق بین القسمین: «1» وأفاد الشّیخ
الأول: إن القطع الموضوعی یقع وسطاً فی الثبوت، والطریقی لا یکون کذلک. أي: لولا القطع بعدالۀ زید مثلًا لم یترتب جواز الصلاة
خلفه، أمّا الطریقی، فلا یقع واسطۀً فی ثبوت الخمر ولا حرمته، کما تقدم.
والثانی: إنه لا یفرّق بین أسباب حصول القطع الطریقی وخصوصیّاته ومتعلّقاته، أمّا الموضوعی فیتبع نظر المولی وکیفیّۀ أخذه القطع
موضوعاً لحکمه.
فتارةً: یرتّب الحکم علی الموضوع علی نحو الإطلاق فیکون کالطریقی، مثل موضوعیّۀ القطع لوجوب الإطاعۀ واستحقاق المؤاخذة
علی المخالفۀ فی نظر العقل، فهو قطع موضوعی عند العقل، ولا دخل لخصوصیۀٍ من الخصوصیّات فی کونه موضوعاً لهذا الحکم
العقلی.
واخري: یکون للخصوصیّۀ دخل، کأنْ یقول: إن کان الحکم الذي قطع به المجتهد مستنبطاً من الکتاب والسنّۀ، فتقلیده فیه جائز، فقد
فی القطع الموضوعی. « من الکتاب والسنّۀ » أخذت خصوصیّۀ
والثالث: إن القطع الطریقی تقوم جمیع الأمارات- بأدلّۀ اعتبارها- مقامه، وأمّا الموضوعی، ففیه تفصیل، فهی تقوم مقامه إنْ کان بنحو
الکاشفیۀ، أمّا إن کان بنحو الصفتیّۀ فلا.
ومن هنا ظهر انقسام الموضوعی إلی قسمین، وسیأتی توضیحه.
وهذا ملخّص کلام الشیخ قدس سرّه.
__________________________________________________
.35 -31 / 1) فرائد الاصول 1 )
ص: 133
أنحاء دخل القطع الموضوعی فی الحکم … ص: 133
ثم إنّ القطع الذي اخذ فی الموضوع، یقبل أنواعاً من الأخذ والمدخلیّۀ فی الحکم، فتارةً: یکون کلّ الدخل للقطع ولا أثر للواقع أصلًا،
واخري: یکون للواقع دخل أیضاً، والقطع إمّا جزء أو قید. مثال الأوّل: أن یکون الحکم مترتباً علی محرز الخمریّۀ، فالإحراز هو
الموضوع فقط. ومثال الثانی: أن یکون الحکم مترتباً علی الخمر المحرز، فللإحراز جزء من الدخل، ومثال الثالث: أن یکون الحکم
مترتباً علی الخمر المقیّد بالإحراز.
وإذا کان للقطع تمام الموضوعیّۀ والدخل، فإنّ الحکم یترتّب وإنْ کان جهلًا مرکّباً، وإلّا کان للمطابق الخارجی مدخلیّۀ، جزءً أو قیداً
کما فی المثالین.
وإذا تعلّق القطع بالموضوع، أمکن أخذه فی موضوع حکمٍ آخر، کأن یقول: إذا قطعت بالخمریّۀ وجب علیک التصدّق بکذا.
وأمّا إذا تعلّق بحکمٍ، فهل یمکن أخذه موضوعاً لحکم آخر؟ فیه تفصیل:
إنْ کان الحکم الآخر مماثلًا لهذا الحکم- کأن یکون القطع بحرمۀ الخمر مأخوذاً فی موضوع حکم آخر مثله- أو یکون القطع
بوجوب الصلاة موضوعاً لوجوبها بوجوب آخر، فلا یمکن، للزوم اجتماع المثلین.
وإن کان ضدّاً، فکذلک، کأن یقول: إذا قطعت بوجوب الصلاة حرمت علیک الصلاة. للزوم اجتماع الضدّین.
صفحۀ 79 من 204
وإنْ کان مخالفاً له، فلا مانع، کأن یقول: إذا قطعت بوجوب الصلاة وجب علیک التصدّق بکذا. فإنه لا مماثلۀ ولا تضاد بین وجوب
التصدّق ووجوب الصلاة، بل هما متغایران.
ص: 134
أقسام القطع الموضوعی فی الکفایۀ … ص: 134
القطع الموضوعی علی أربعۀ أقسام، فذکر أنّه: «1» وقد جعل صاحب الکفایۀ
تارةً: یکون تمام الموضوع. واخري: بنحو یکون جزءه أو قیده. وفی کلٍّ منهما یؤخذ طوراً: بما هو کاشف وحاك عن متعلّقه، وآخر:
بما هو صفۀ خاصّۀ للقاطع أو المقطوع به.
ثم شرع فی بیان انقسام القطع الموضوعی إلی الکشفی والوصفی، فقال:
وذلک، لأن القطع لمّا کان من الصفات الحقیقیّۀ ذات الإضافۀ- ولذا کان العلم نوراً لنفسه ونوراً لغیره- صحّ أنْ یؤخذ فیه بما هو صفۀ
خاصّ ۀ وحالۀ مخصوصۀ، بإلغاء جهۀ کشفه أو اعتبار خصوصیۀ اخري فیه معها، کما صحّ أن یؤخذ بما هو کاشف عن متعلّقه وحاك
عنه. فیکون أقسامه أربعۀ.
فکانت الأقسام عنده أربعۀ، لأنّه جعل حالۀ کونه (جزءه أو قیده) واحداً.
أقسام القطع الموضوعی فی الدرر … ص: 134
وقال المحقق الحائري:
إعلم أن القطع المأخوذ فی الموضوع یتصوّر علی أقسام:
أحدها: أنْ یکون تمام الموضوع للحکم.
والثانی: أنْ یکون جزءاً للموضوع، بمعنی أن الموضوع المتعلّق للحکم هو الشیء مع کونه مقطوعاً به.
وعلی أيّ حالٍ.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 263 )
ص: 135
إمّا أن یکون القطع المأخوذ فی الموضوع ملحوظاً علی أنه صفۀ خاصّۀ.
وإمّا أن یکون ملحوظاً علی أنه طریق إلی متعلّقه.
والمراد من کونه ملحوظاً علی أنه صفۀ خاصّۀ، ملاحظته من حیث أنه کشف تام، ومن کونه ملحوظاً علی أنه طریق ملاحظته من حیث
أنه أحد مصادیق الطریق المعتبر، وبعبارة اخري: ملاحظۀ الجامع بین القطع وسایر الطرق المعتبرة.
فعلی هذا، یصح أنْ یقال فی الثمرة بینهما:
إنه علی الأوّل لا تقوم سایر الأمارات والاصول مقامه بواسطۀ الأدلّۀ العامۀ لحجیّتها، أمّا غیر الاستصحاب من الاصول، فواضح، وأمّا
الاستصحاب وسایر الأمارات المعتبرة، فلأنها بواسطۀ أدلّۀ اعتبارها توجب إثبات الواقع تعبّداً، ولا یکفی مجرد الواقع فیما نحن فیه، لأن
للقطع بمعنی الکشف التام دخلًا فی الحکم، إمّا لکونه تمام الملاك، وإمّا لکونه ممّا یتم به الموضوع.
.«1 …» وعلی الثانی، فقیام الأمارات المعتبرة وکذا مثل الاستصحاب لکونه ناظراً إلی الواقع فی الجملۀ مقامه، مما لا مانع منه
وما ذکره یختلف عمّا تقدّم اختلافاً بسیطاً.
صفحۀ 80 من 204
وعلی الجملۀ، فقد أوضح صاحب الکفایۀ معنی القطع الموضوعی الکشفی والقطع الموضوعی الصفتی أيالوصفی، لأن القطع من
الصفات القائمۀ بالنفس کسائر الصفات من الشجاعۀ والجود وغیرهما، لکنه صفۀ ذات تعلّق وإضافۀ، والصفات ذات التعلّق منها ما فیه
جهۀ الکشف أیضاً کالقطع، ومنها ما لیس فیه جهۀ الکشف کالشوق مثلًا … فالقطع صفۀ ذات تعلّق ولها جهۀ
__________________________________________________
.331 -330 (2 - 1) درر الفوائد ( 1 )
ص: 136
الکاشفیّۀ، وهذه الکاشفیۀ ذاتیّۀ- بخلاف کاشفیۀ الظنّ فإنها لیست بالذات- وکاشفیّۀ تامّۀ فی أعلی المراتب بحیث لا یحتمل الخلاف
فی القطع، خلافاً لصاحب الدرر، إذ تصوّر القطع بلا کاشفیّۀ تامّۀ.
وهذا القطع قد لا یؤخذ فی لسان الخطاب أصلًا، فهو القطع الطریقی، وقد یؤخذ، فهو القطع الموضوعی، وقد تقدّم ذکر أقسامه…
فکان مجموع أقسام القطع- بناءً علی جعل الموضوعی المأخوذ جزءً أو قیداً قسماً واحداً- خمسۀ أقسام.
رأي المیرزا والکلام حوله … ص: 136
ولکن المیرزا قدّس سرّه أنکر القطع المأخوذ تمام الموضوع علی نحو الطریقیّۀ، فالأقسام عنده ثلاثۀ، فقد جاء فی تقریر بحثه:
نعم، فی إمکان أخذه تمام الموضوع علی وجه الطریقیّۀ إشکال، بل الظاهر أنه لا یمکن، من جهۀ أنّ أخذه تمام الموضوع یستدعی
عدم لحاظ الواقع وذي الصورة بوجه من الوجوه، وأخذه علی وجه الطریقیّۀ یستدعی لحاظ ذي الطریق وذي الصورة … ولحاظ العلم
.«1» کذلک ینافی أخذه تمام الموضوع. فالإنصاف أن أخذه تمام الموضوع لا یمکن إلّابأخذه علی وجه الصفتیّۀ
وقد استفید من هذا الکلام أن المحذور فی نظره اجتماع اللّحاظین الاستقلالی والآلی فی الشیء الواحد، وهو محال.
بما حاصله: «2» فأجاب عنه المحقق العراقی
__________________________________________________
.11 / 1) فوائد الاصول 3 )
. 2) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 15 )
ص: 137
النقض بما إذا اخذ القطع بعدالۀ زید موضوعاً لجواز الاقتداء به، وباجتهاده موضوعاً لجواز تقلیده کما تقدم، فإن هذا الأخذ إنما هو
علی نحو الکاشفیۀ لا الصفتیّۀ.
وأمّا حلّاً، فإنّ الشیء الواحد الذي لا یجتمع فیه اللّحاظان هو المصداق الخارجی، وأمّا مفهوم القطع، فلا مانع من أخذه موضوعاً لحکمٍ
مع کاشفیّته عن الواقع.
أقول:
وهذا الجواب صحیح إنْ کان مراد المیرزا ما ذکر، لکنّ الظاهر من کلامه أنّ المحذور لیس اجتماع اللّحاظین، وإنما هو أن أخذ القطع
بنحو الکاشفیّۀ یستلزم ثبوت الواقع، وأخذه موضوعاً علی نحو تمام الموضوع یستلزم سقوطه، فاجتمع الثبوت والسقوط بالنسبۀ إلی
الواقع، وهذا هو الذي فهمه سیّدنا الاستاذ قدّس سرّه إذ قال:
أنکر المحقّق النائینی أخذ القطع تمام الموضوع بنحو الطریقیۀ، فذهب إلی أنه لابدّ أن یکون مأخوذاً جزء الموضوع، فالأقسام لدیه
ثلاثۀ، وعلّل ذلک بأن النظر الاستقلالی فی القطع الطریقی یتعلق بمتعلقه وبالواقع المنکشف به وبذي الطریق، أما القطع فهو مغفول
عنه وملحوظ مرآة للغیر شأن کلّ کاشف وطریق، وأخذه فی تمام الموضوع یلازم غض النظر عن الواقع وملاحظته القطع مستقلًا وهذا
صفحۀ 81 من 204
خلف.
ثم أجاب عن ذلک بقوله:
ولکن هذا التعلیل علیل، وهو ناش من الخلط بین مقام الجعل ومقام تعلّق
ص: 138
القطع بشیء، بیان ذلک: إن من ینظر إلی الکتاب بواسطۀ نظارته یغفل عن نظارته وإنما نظره المستقلّ متعلّق بالکتاب الذي جعل
النظارة طریقاً إلیه، ولکن الشخص الذي ینظر إلی هذا الناظر ویري کاشفیۀ وآلیۀ النظارة، یستطیع أن یتعلّق نظره مستقلّاً وغرضه
بالنظارة ذاتها من دون أن یکون للکتاب أيدخل فیه.
وفی ما نحن فیه من هذا القبیل، فإن من یتعلق نظره الاستقلالی بالمقطوع ویغفل عن القطع هو القاطع نفسه، إذ کون القطع طریقاً لدیه
یلازم لحاظه آلۀ وبنحو المرآتیۀ، أما الجاعل الذي یرید أن یجعل حکماً علی هذا القطع له أن یقصره نظره علی القطع، بمعنی أنه
یرتب الحکم علی القطع بلحاظ کشفه لکن من دون أن یکون لوجود المتعلق فی الخارج أيأثر، لتمکنه من لحاظ القطع بنحو
الاستقلال لا الآلیۀ والمرآتیۀ، نظیر من ینظر إلی المرآة لا لیري صورته بها، بل لیري جودتها وجنسها. فظهر لک الخلط بین المقامین
.«1»
أقول:
والإنصاف أن ما ذکره خلاف الظاهر جدّاً.
إلّا أن یقال فی مقام الدفاع عن صاحب الکفایۀ: إن نظره إلی أن المقصود من القطع المجعول موضوعاً للأحکام کالحجیّۀ الذاتیۀ
والطریقیّۀ، هو الأعم من العلم أيالصّورة الذهنیۀ المطابقۀ للواقع ومن الجهل المرکب، وهذا القطع الأعم، له حیثیّتان، هما الصفۀ
القائمۀ بالنفس وحیثیۀ عدم احتمال الخلاف، وهناك حیثیۀ ثالثۀ هی الطریقیۀ والکاشفیۀ. فالقطع کرؤیۀ الإنسان للشیء، حیث أن
الرؤیۀ صفۀ قائمۀ بالرّائی، تریه الشیء ولا یحتمل الإنسان الخلاف فیها، لکن قد تتخلّف
__________________________________________________
.70 -69 / 1) منتقی الاصول 4 )
ص: 139
الرؤیۀ عن الواقع.
وعلیه، ففی الجهل المرکب أیضاً إرائۀ وطریقیۀ وکشف، لکنْ عن الواقع الخیالی لا الحقیقی، فإذا کان هذا مراد المحقق الخراسانی،
فالإشکال یندفع.
هکذا أفاد شیخنا دام بقاه.
لکنّ السید الخوئی قد أورد الإشکال علی الکفایۀ بنفس التقریب الذي ذکره الاستاذ، وهذا نص عبارته:
وأمّا القطع المأخوذ فی الموضوع بنحو الطریقیۀ فلا یمکن أخذه تمام الموضوع، إذ معنی کونه تمام الموضوع أنه لا دخل للواقع فی
الحکم أصلًا، بل الحکم مترتب علی نفس القطع ولو کان مخالفاً للواقع، ومعنی کونه مأخوذاً بنحو الطریقیۀ أن للواقع دخلًا فی الحکم
وأخذ القطع طریقاً إلیه، فیکون الجمع بین أخذه فی الموضوع بنحو الطریقیۀ وکونه تمام الموضوع من قبیل الجمع بین المتنافیین.
.«1 …» فالصحیح هو تثلیث الأقسام
إلی صورة الجهل المرکب الذي ذکره الاستاذ. « ولو کان مخالفاً للواقع » فقد أورد الإشکال بلحاظ الواقع ثبوتاً وسقوطاً، وأشار بکلمۀ
فالذي نراه ورود إشکال المیرزا ومن تبعه، وأنّ دفاع المحقّق العراقی وسیّدنا الاستاذ وشیخنا دام بقاه عن الکفایۀ لا یجدي.
__________________________________________________
صفحۀ 82 من 204
.33 / 1) مصباح الاصول 2 )
ص: 140
مبحث قیام الأمارات والُأصولمقام القطع … ص: 140
اشارة
إنّ أدلّۀ اعتبار الأمارة- کخبر الواحد والبیّنۀ ونحوهما- تفید حجیّتها وتقتضی کشفها عن الواقع، فهل تدلّ علی قیامها مقام القطع فی
الحجیّۀ والکشف؟
وأیضاً، فإنّ عندنا أصولًا هی وظائف عملیّۀ فی ظرف الشک، ومنها ما یکون لسان دلیله تنزیل مؤدّاه منزلۀ الواقع أو الاحتمال منزلۀ
الیقین، وهو المسمّی بالأصل المحرز کالاستصحاب، ویقابله غیر المحرز کالبراءة، فهل یدلّ دلیله علی قیامه مقام القطع أوْ لا؟ وإنْ قلنا
بالقیام فی الأمارات والاصول، فهی تقوم مقام أيّ قسم من أقسام القطع؟ وقد عرفنا أن المراد من القیام مقامه هو ترتیب أثر القطع علیه.
الکلام فی الأمارات … ص: 140
أمّا الأمارات، ففیها ثلاثۀ أقوال:
-1 قیامها مقام القطع مطلقاً.
-2 قیامها مقام القطع الطریقی دون المأخوذ فی الموضوع مطلقاً. وهو مسلک صاحب الکفایۀ.
-3 قیامها مقام القطع المأخوذ فی الموضوع بنحو الکشف فقط. وعلیه
ص: 141
الشیخ والمیرزا وجماعۀ.
وضوح قیامها مقام القطع الطریقی المحض … ص: 141
والمهم هو النظر فی الخلاف بین الشیخ وصاحب الکفایۀ وأتباعهما، لوضوح قیام الأمارة مقام القطع الطریقی المحض، لأن أدلّۀ
الأمارة مفادها لا یخلو عن أحد امور:
إمّا تنزیل مؤدّي الأمارة بمنزلۀ الواقع.
وإمّا هو جعل الطریقیّۀ والکاشفیۀ له عن الواقع تعبّداً.
وإمّا هو جعل المنجزیّۀ والمعذریّۀ لها.
فسواء قلنا بهذا أو ذاك أو الثالث، فإنّ الأمارة تقوم مقام القطع الطریقی، لأن المطلوب فیه هو العثور علی الواقع، وقد جعل الشارع
الأمارة بمنزلۀ الواقع بناءً علی الأوّل، أو جعلها طریقاً إلیه بناءً علی الثانی، أو جعلها منجّزة ومعذّرة بالنسبۀ إلیه بناءً علی الثالث. ولذا قال
السیّد الخوئی: لا کلام فی أنّ الطرق والأمارات والاصول المحرزة تقوم مقام القطع الطریقی المحض، بنفس أدلّۀ حجیّتها، ویترتّب
علیها جمیع الآثار المترتّبۀ علیه من تنجیز الواقع به إذا أصاب، وکونه عذراً إذا أخطأ، وکون مخالفته تجریّاً، وموجباً لاستحقاق العقاب،
«1» . إلی غیر ذلک من الآثار المترتبۀ علی القطع الطریقی
وقال السید الاستاذ:
لا إشکال بین الأعلام فی قیام الأمارة بدلیل اعتبارها مقام القطع الطریقی،
صفحۀ 83 من 204
__________________________________________________
.52 / 1) دراسات فی علم الاصول 3 )
ص: 142
.«1» بمعنی أن نفس ما یترتب علی القطع من المنجزیّۀ والمعذّریۀ یترتب علی الأمارة
وضوح عدم قیامها مقام الطریقی الوصفی … ص: 142
وأما قیامها مقام القطع الوصفی، فعدم إمکانه واضح، لأن معنی أخذ القطع فی الموضوع بما هو صفۀ هو اعتبار دخل الصفۀ الخاصّ ۀ
فی الحکم، ولکنّ الأمارة لا تصیر بأدلّتها صفۀً خاصّۀً، فلا تقوم مقام القطع بهذا المعنی.
الاختلاف بین الشیخ وصاحب الکفایۀ … ص: 142
فکان المهم هو النظر فی الاختلاف بین الشیخ القائل بقیام الأمارة مقام القطع الموضوعی الکشفی وصاحب الکفایۀ المنکر لقیامها
مقام القطع الموضوعی مطلقاً.
رأي الشیخ … ص: 142
وقد تبع المیرزا الشیخ وقرّب ما ذهب إلیه قائلًا:
أمّا علی المختار من أنّ المجعول فی باب الطّرق والأمارات هو نفس الکاشفیۀ والمحرزیّۀ والوسطیّۀ فی الإثبات، فیکون الواقع لدي من
قامت عنده الطرق محرزاً کما کان فی صورة العلم، والمفروض أنّ الأمر مترتّب علی الواقع المحرز، فإن ذلک هو لازم أخذ العلم من
.«2» حیث الکاشفیّۀ موضوعاً، وبنفس دلیل حجیّۀ الأمارات والاصول یکون الواقع محرزاً، فتقوم مقامه بلا التماس دلیل آخر
__________________________________________________
.70 / 1) منتقی الاصول 4 )
.21 / 2) فوائد الاصول 3 )
ص: 143
رأي صاحب الکفایۀ … ص: 143
قال فی الکفایۀ:
لا ریب فی قیام الطرق والأمارات المعتبرة بدلیل حجیّتها واعتبارها مقام هذا القسم.
….« لا ریب » : یعنی: القطع الطریقی المحض الذي تقدّم بیان وضوح قیامها مقامه، ولذا قال
قال:
کما لا ریب فی عدم قیامها بمجرّد ذلک الدلیل مقام ما اخذ فی الموضوع علی نحو الصفتیّۀ من تلک الأقسام، بل لابدّ من دلیلٍ آخر
علی التنزیل، فإنّ قضیۀ الحجیّۀ والإعتبار ترتیب ما للقطع بما هو حجۀ من الآثار لا ماله بما هو صفۀ وموضوع، ضرورة أنه کذلک
یکون کسائر الموضوعات والصّفات.
وهذا بیان ما ذکرناه بالنسبۀ إلی القطع الوصفی.
قال:
صفحۀ 84 من 204
ومنه قد انقدح عدم قیامها بذلک الدلیل مقام ما اخذ فی الموضوع علی نحو الکشف، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو فی الموضوع
شرعاً کسائر ما له دخل فی الموضوعات أیضاً، فلا یقوم مقامه شیء بمجرّد حجیّته أو قیام دلیل اعتباره، ما لم یقم دلیل علی تنزیله
.«1» ودخله فی الموضوع کدخله
أقول:
وهذا المقطع الأخیر هو مورد النظر، فإنّه یري أنْ لا فرق بین القطع
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 263 )
ص: 144
الموضوعی الوصفی والقطع الموضوعی الکشفی فی عدم قیام الأمارة مقامه، لعدم وجود الفرق فی وجه عدم القیام.
ثم تعرّض رحمه اللَّه لکلام الشیخ قدّس سرّه فقال:
وتوهّم کفایۀ دلیل الاعتبار الدالّ علی إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلۀ القطع من جهۀ کونه موضوعاً ومن جهۀ کونه طریقاً، فیقوم
مقامه، طریقاً کان أو موضوعاً.
فاسد جدّاً.
فإنّ الدلیل الدالّ علی إلغاء الاحتمال لا یکاد یکفی إلّابأحد التنزیلین، حیث لابدّ فی کلّ تنزیل منهما من لحاظ المنزّل والمنزّل علیه،
ولحاظهما فی أحدهما آلیّ وفی الآخر استقلالی، بداهۀ أن النظر فی حجیّته وتنزیله منزلۀ القطع فی طریقیّته فی الحقیقۀ إلی الواقع
ومؤدّي الطریق، وفی کونه بمنزلته فی دخله فی الموضوع إلی أنفسهما، ولا یکاد یمکن الجمع بینهما…
ثم تعرّض فی الأخیر لکلامه فی حاشیۀ الرّسائل فقال: بأنّه لا یخلو من تکلّف بل تعسّف.
وسیأتی الکلام علی ذلک إن شاء اللَّه.
أقول:
ومحصّل ما ذهب إلیه هو: أن المستفاد من أدلّۀ اعتبار الأمارة هو تنزیلها بمنزلۀ الواقع، لکن القاعدة العامۀ فی تنزیل شیء بمنزلۀ شیء
هی لحاظ الشیء المنزّل والشیء المنزّل علیه وجهۀ التنزیل، کما فی تنزیل الطواف بمنزلۀ الصّلاة، فإنهما یلحظان ویلحظ الأثر والحکم
الثابت للصّلاة المراد إثباته للطواف، فلابدّ
ص: 145
من لحاظ کلّ ذلک باللّحاظ الموضوعی حتی یتم التنزیل.
وعلیه، فلو وقع القطع بشیء موضوعاً لحکمٍ یکون لا محالۀ ملحوظاً باللّحاظ الاستقلالی وینعزل عن الطریقیّۀ تماماً، کما فی: إذا قطعت
بوجوب ال ّ ص لاة وجب علیک التصدق بکذا، فإنّ وجوب التصدّق یترتب علی القطع ویکون هو موضوع الأثر، فلو ارید تنزیل الأمارة-
بدلیل اعتبارها- بمنزلۀ الواقع لم یمکن إلّابلحاظهما علی نحو الطریقیّۀ، مثلًا: إذا قامت البیّنۀ علی خمریّۀ المائع، دلّ دلیل حجیّتها علی
وجوب الاجتناب عنه وتنزیله بمنزلۀ الخمر الواقعی فی ذلک، ولولا لحاظ المؤدّي- وهو الخمریّۀ- ولحاظ الواقع الذي تحقق القطع به،
لما أمکن التنزیل، ومن الواضح أن هذین اللّحاظین آلیّان … فکان الملحوظ استقلالیّاً وآلیّاً معاً، والاستقلالیّۀ والآلیّۀ لا یجتمعان.
إشکال المحقق الإصفهانی … ص: 145
قال فی التعلیق علی قول الکفایۀ: ولحاظهما فی أحدهما آلیّ وفی الآخر استقلالی:
لا یذهب علیک أنّ القطع والظن حین تعلّقهما بشیء طریق صرف، ولیس الملحوظ فی تلک الحال علی وجه الأصالۀ والإستقلال
صفحۀ 85 من 204
إلّاذلک الشیء، والقطع مثلًا نحو حضور المعنی عند النفس، وهو معنی لحاظه. ولیس للقطع لحاظ لا آلیّاً ولا استقلالیاً، بل هو عین
لحاظ الغیر، فلیس کالمرآة حتی یعقل أنْ ینظر فیها إلی شیء فتکون منظورةً بالتبع، بل القطع عین لحاظ الذهن ونظره إلی المعلوم.
بل القطع کما لا یکون ملحوظاً آلیّاً، کذلک لیس آلۀً، لعدم تعقّل کون لحاظ الشیء آلۀ للحاظه، کما لا یعقل أنْ یکون آلۀً لذات
الشیء أو لوجوده الخارجی.
ص: 146
قال:
إذا عرفت ذلک فاعلم: أن القطع إنما یتّصف بالطریقیۀ والمرآتیۀ عند تعلّقه حقیقۀً بالشیء، وفی غیر تلک الحال لا یعقل أن یلاحظ
إلّااستقلالًا. ولیس القطع بما هو من وجوه متعلّقه وعناوینه حتی یعقل لحاظه تارةً بنحو الفناء فی المعنون وذي الوجه، واخري بنفسه،
بمعنی أنْ یکون تارةً ما به ینظر واخري ما فیه ینظر، وکیف یعقل لحاظ صفۀ القطع علی الوجه الذي هو علیه حال تعلّقه بشیء حقیقۀً
«1» ؟ فی مقام تنزیل شیء منزلته، إذ الآلۀ لا یعقل أن تکون طرفاً
أقول:
ویتلخّص هذا الکلام فی نقاط:
-1 إن القطع حضور المعنی عند النفس، وهذا معنی لحاظه.
-2 لیس نسبۀ القطع إلی متعلّقه نسبۀ المرآة إلی المرئی، فإنّ المرآة قد تُلحظ باللّحاظ الاستقلالی وبقطع النظر عن المرئی، فتکون ما
فیه ینظر، وقد تلحظ باللّحاظ الآلی طریقاً إلی المرئی، فتکون ما به ینظر، فلیس للقطع لحاظ لا آلیّاً ولا استقلالیّاً.
-3 لا یکون القطع آلۀً، لعدم تعقّل کون لحاظ الشیء آلۀً للحاظه.
-4 لیس نسبۀ القطع إلی المتعلّق نسبۀ الوجه إلی ذي الوجه والعنوان إلی المعنون، فلیس مثل عنوان الفقیه مثلًا حیث یمکن النظر إلیه
بعنوانه فیکون اللّحاظ استقلالیاً، ویمکن النظر إلیه فانیاً فی مصادیقه فیکون اللّحاظ آلیّاً.
__________________________________________________
.51 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 147
والحاصل: عدم تعقّل اللّحاظین فی القطع، حتی یلزم محذور الاجتماع.
قال:
نعم، یمکن تقریب الإشکال بوجهٍ آخر وهو:
إن القطع والظن حیث أنهما متقوّمان بذات المقطوع والمظنون، فثبوت أحدهما یستلزم ثبوت الآخر، فالأمر بترتیب الأثر علی الظن
یمکن أن یکون علی وجه الکنایۀ أمراً بترتیب الأثر علی لازمه وهو ذات المظنون، کما یمکن أن یکون علی وجه الأصالۀ والحقیقۀ
أمراً بترتیب الأثر علی نفسه، ولا یعقل ملاحظۀ الظن قنطرةً للانتقال إلی لازمه وهو ذات المظنون، وملاحظته لا علی هذا الوجه بل علی
وجه الحقیقۀ والأصالۀ، فلا یعقل أن یکون القضیۀ الواحدة کنائیۀ وحقیقیّۀ، فیکون نظیر الجمع بین اللّحاظ الآلی واللّحاظ الاستقلالی
.«1» فی الاستحالۀ
أقول:
توضیحه:
إن القطع من الامور ذات التعلّق، فهو متقوّم بذات المقطوع، فإذا قطعت بعدالۀ زید، کان قوام مفهوم القطع عدالته، وکذلک الظن، فإذا
قامت البیّنۀ علی عدالۀ زید، حصل لک الظنُّ بعدالته، وهی قوام الظن، فلا تحقّق للقطع والظن بدون المتعلّق، فهناك تلازم بین القطع
صفحۀ 86 من 204
ومتعلّقه والظن ومتعلّقه، فإذا أمر الحاکم بترتیب الأثر علی الظنّ وتنزیله بمنزلۀ الواقع، أمکن أن یکون- علی وجه الکنایۀ- أمراً بترتیب
الأثر علی لازمه وهو ذات المظنون، أيعدالۀ زید، بتنزیلها منزلۀ
__________________________________________________
.52 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 148
الواقع، وأمکن أن یکون- علی وجه الحقیقۀ- أمراً بترتیب الأثر علی نفس الظن، فیجتمع فی الخطاب الواحد أن تکون القضیۀ کنائیۀ
وحقیقیۀ، فیکون نظیر الجمع بین اللحاظ الآلی واللحاظ الاستقلالی فی الاستحالۀ. ومثاله: قولهم: زید کثیر الرماد، فإنّ هذا الکلام
عندهم کنایۀ عن جود زید، فلو ارید مع ذلک المعنی الحقیقی منه، اجتمع الکنائیّۀ والحقیقۀ، وهو محال.
لأن الکنایۀ هی عدم لحاظ الحقیقۀ، والحقیقۀ هی عدم لحاظ المعنی المجازي، فلا یجتمعان…
وبعبارة اخري: إنْ لوحظ المعنی الحقیقی لم یکن القطع أو الظن قنطرة للإنتقال إلی اللّازم، وإنْ لم یلحظ کان قنطرةً، والجمع بین
کونه قنطرة وعدم کونه قنطرةً جمع بین النقیضین وهو محال.
مناقشۀ هذا الإشکال … ص: 148
وقد ناقش الاستاذ هذا الکلام فی جمیع جهاته:
أمّا قوله: القطع لیس کالمرآة حتی یعقل أن یلحظ باللّحاظین.
فهو أوّل الکلام، فقد ذکر هذا المحقق- فی حقیقۀ القطع- أنّ حقیقته هی النوریّۀ، فهی عین القطع لا من لوازمه، والنور- کما هو
معروف- ظاهر بذاته ومظهرٌ لغیره، فیمکن لحاظه ولحاظ الغیر به، کذلک القطع. فما ذکره هنا ینافی کلامه هناك.
هذا نقضاً.
وأمّا حلّاً، فإنّ القطع لحاظٌ، ولکلّ لحاظ ملحوظ، کالرؤیۀ حیث لها مرئی، فکما تلحظ الرّؤیۀ بنفسها وتلحظ فانیۀً فی المرئی، کذلک
القطع یلحظ بنفسه
ص: 149
ویلحظ فانیاً فی المتعلّق المقطوع به، غیر أنّ اللّحاظ رؤیۀ نفسانیۀ، والرؤیۀ رؤیۀ جسمانیّۀ.
وأمّا قوله: لیس القطع بما هو من وجوه متعلّقه وعناوینه.
فهذا صحیح، ولکنّ اللّحاظ الآلی والاستقلالی غیر منحصرین بالعناوین والوجوه، فإنّ الرؤیۀ لیست عنواناً للمرئی ووجهاً له، والنور
لیس وجهاً وعنواناً للمستنیر، إلّاأنه یلحظ بنفسه ویلحظ فانیاً فی المستنیر.
وأمّا تقریبه الإشکال بما ذکره، ففیه:
أوّلًا: إنّ مورد الکنایۀ هو ما إذا کان أمران بینهما ملازمۀ، فینتقل من أحدهما إلی الآخر، کما فی مثل زید کثیر الرماد، فإنْ ذلک من
لوازم الجود، فإذا قیل کذلک، انتقل الذهن إلی جود زید، لوجود الملازمۀ بین الأمرین، ولکن التحقیق عدم وجود الملازمۀ بین
القطع أو الظنّ ومتعلّقه، لأنّ المتعلّق هو المقطوع بالذات وموطنهما الذّهن، والمنطبَق علیه المتعلّق خارجاً هو المقطوع بالعرض، أمّا
المقطوع بالذات، فإنّه قوام مفهوم القطع، والقطع محتاج إلیه فی أصل وجوده، لکنهما موجودان بوجودٍ واحدٍ ولیسا متلازمین. وأمّا
المقطوع بالعرض، فوجوده غیر وجود القطع کما هو واضح، لکن لا تلازم بینهما قطعاً کذلک، وإلّا یلزم أنْ لا یتحقق الجهل المرکب
أصلًا، لاستحالۀ التفکیک بین المتلازمین.
فما ذکره من کون حال القطع ومتعلّقه- وکذا الظن- من قبیل الکنایۀ، غیر صحیح، إذ لا یوجد التلازم بین القطع ومتعلّقه- وکذلک
صفحۀ 87 من 204
الظن- کما یوجد فی باب الکنایۀ، بل الأثر یترتب علی الوجود الخارجی للمقطوع کالخمر مثلًا وحکمه الحرمۀ.
ص: 150
وثانیاً إنه لا یلزم- فیما نحن فیه- محذور الاجتماع بین الحقیقۀ والکنایۀ.
وذلک: لأن المتلازمین علی نحوین، فقد لا یکون بینهما نسبۀ الحکایۀ والدلالۀ، کما فی الجود وکثرة الرماد، حیث أنهما متلازمان
لکنْ لا توجد بینهما نسبۀ الحکایۀ والدلالۀ والکشف، ولذا یکون أثر کلٍّ منهما مختصّاً به ولا یترتب علی الآخر، فلو ارید ترتیبه احتیج
إلی جعل أحدهما کنایۀً عن الآخر، کما فی المثال، حیث تجعل کثرة الرماد کنایۀ عن الجود.
وقد یکون بین المتلازمین نسبۀ الحکایۀ والکشف والدلالۀ، وفی هذه الحالۀ یرتَّب عرفاً أثر أحدهما علی الآخر بلا حاجۀٍ إلی الکنایۀ،
کما هو الحال بین الیقین والمتیقّن، فإنّ کلّ یقینٍ یستلزم المتیقّن، فإذا قال: إذا تیقّنت بعدالۀ زید فصلّ خلفه، کانت ال ّ ص لاة خلفه أثراً
للیقین بحسب ظاهر العبارة، لکن العرف یرتّبون هذا الأثر علی المتیقّن، هو العدالۀ، لأن الیقین کاشف عن المتیقّن ودالّ علیه، فقول
المولی: رتّب الأثر علی یقینک، معناه: رتّب الأثر علی المتیقّن.
فما ذکره المحقّق الاصفهانی من الکنائیۀ، إنما یکون حیث لا کاشفیۀ لأحد المتلازمین عن الآخر، وإلّا فإنّ أهل العرف یرتّبون الأثر
ولا یلزم استحالۀ الجمع.
وتلخّص: اندفاع الاشکال علی الکفایۀ، وعدم تمامیّۀ التقریب المذکور کذلک.
والتحقیق … ص: 150
والتحقیق هو: إنه إنْ کان مدلول أدلّۀ اعتبار الأمارات هو تنزیل مؤدّاها بمنزلۀ الواقع، بأنْ یکون المقصود أن ما أخبر به زرارة من
وجوب صلاة الجمعۀ- مثلًا- هو الواقع، فالحق مع صاحب الکفایۀ، لما ذکره رحمه اللَّه…
ص: 151
لکن الکلام فی أصل المبنی، ولابدّ من النظر فی دلیل القول بذلک.
لقد استدلّ للقول المذکور.
أمّا ثبوتاً، فلأنّ مقصود المولی حفظ الواقع، ولأجل ذلک جعل الأمارات والطرق، حتی یحصل التحفّظ علی الأغراض والأحکام
الواقعیّۀ فی ظرف الجهل بها، فیعتبر خبر زرارة بمنزلۀ الواقع حتّی یُعمل به فیحفظ الواقع.
«1» « العمري وابنه ثقتان، فما أدّیا فعنّی یؤدّیان، وما قالا لک فعنّی یقولان » : وأمّا إثباتاً، فقد استدلّ ببعض الروایات، کقوله علیه السّلام
لظهوره فی تنزیل المؤدّي بمنزلۀ الواقع.
وفیه نظر.
أمّا ثبوتاً، فلأنّ حفظ الواقع غیر متوقّف علی تنزیل مؤدّي الأمارة بمنزلۀ الواقع، بل مقتضی الحکمۀ أن یجعل فی ظرف الشک فیه
طریقاً موصلًا إلیه، کما هو الحال فی الأغراض والمقاصد التکوینیّۀ، فإنه یجعل فیها الطریق الموصل إلیها، وهذا هو طبع المطلب، فإنّه
یقتضی جعل الطریق الموصل إلیه، لا جعل غیر الواقع بمنزلۀ الواقع.
وأمّا إثباتاً، فإنّ الأدلّۀ علی اعتبار الطرق والأمارات علی قسمین:
فمنها: الدلیل اللبّی، وهو عبارة عن السّیرة العقلائیۀ، فهل السّیرة القائمۀ علی العمل بخبر الثقۀ هی باعتبار کونه هو الواقع التعبدي، أو
أنه طریق إلی الواقع؟ الحق هو الثانی.
__________________________________________________
. 138 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضی، رقم: 4 / 1) وسائل الشیعۀ 27 )
صفحۀ 88 من 204
ص: 152
ومنها: الدلیل اللّفظی، وهو دلیل إمضاء السیرة العقلائیۀ المذکورة.
«1 …» « إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا » علی أنّ لسانها لسان جعل الطریق الکاشف عن الواقع، فمفهوم قوله تعالی
عدم وجوب التبیّن إنْ کان المخبر غیر فاسق، أي: إنْ کان المخبر غیر فاسق فخبره بیانٌ، أمّا إنْ کان فاسقاً فیجب تحصیل البیان.
نجد الفاء للتفریع، فإنّه قد وثّقهما ثم فرّع علی ذلک ترتیب الأثر علی قولهما، أي: … « العمري وابنه ثقتان » : وفی قوله علیه السلام
إنهما ثقتان عندي فما قالاه فهو طریق إلی قولی، وهذا معنی الروایۀ لا ما ذکر من أنه تنزیل المؤدّي بمنزلۀ الواقع.
وبالجملۀ، فإنّ لسان الأدلّۀ اللفظیۀ ومفادها: جعل الطرق إلی الواقع، وهو المراد من قول العلماء بتتمیم الکشف وإسقاط احتمال
الخلاف.
فظهر: أن کلّ أمارة عمل بها العقلاء وأسقطوا معها احتمال الخلاف، فهی تقوم مقام القطع، کخبر الثقۀ، لا ما کان منها مورداً للعمل
وترتیب الأثر- مع عدم إلغاء احتمال الخلاف- کما فی الید، فإنّها أمارة علی الملکیۀ عند العقلاء، لکنّ أماریّتها لیست بإسقاط احتمال
لو لم یجز هذا لم یستقم للمسلمین » الخلاف، بل هو یحتملون فی موردها عدم الملکیۀ، لکنّهم یرتّبون أثر الملکیۀ علیها من جهۀ أنه
.«2» کما فی الروایۀ « سوق
__________________________________________________
. 1) سورة الحجرات: 6 )
. 292 ، الباب 25 من أبواب کیفیّۀ الحکم، رقم: 2 / 2) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 153
القول المختار فی الأمارات … ص: 153
فالحق هو التفصیل فی الأمارات…
فمن الأمارات ما یلغی معه احتمال الخلاف ویرتب علیه أثر الواقع عقلاءً.
ومنها: ما یرتّب علیه أثر الواقع لجهۀٍ من الجهات مع وجود احتمال الخلاف.
أمّا القسم الأوّل، فیقوم مقام القطع الموضوعی الکشفی.
وأمّا القسم الثانی، فلا یقوم مقامه.
وممّا یؤکّ د التفصیل المذکور بالنظر إلی السّیرة العقلائیّۀ التی هی العمدة فی الدلالۀ علی حجیّۀ الأمارات: التأمّل فی بعض روایات
المقام، مثلًا: قول الراوي:
ظاهر فی المفروغیّۀ عن ترتیب الأثر علی قول الثقۀ، فیسأل «1» «؟ أفیونس بن عبدالرحمن ثقۀ آخذ عنه ما أحتاج إلیه من معالم دینی »
فإنه ظاهر فی أنّ «2» « فیجیب الإمام علیه السلام: إشهد أنه له «؟ أشهد أنّه له » : عن وثاقۀ یونس. بخلاف روایۀ حفص مثلًا- فإنه یقول
المرتکز عند العقلاء عدم کفایۀ کون الشیء فی الید للدلالۀ علی الملکیۀ، فلذا یسأل عن هذه الجهۀ … بخلاف الروایۀ السابقۀ، فإنها
ظاهرة فی کفایۀ الوثاقۀ عندهم للأخذ بقوله، ولذا لا یسأل هناك عن جواز الأخذ بقول یونس، وإنما یسأل عن وثاقته عند الإمام.
وتلخص: أن مثل البیّنۀ وخبر الثقۀ یکشف عن الواقع فیقوم مقام القطع، وأمّا مثل الید، فلا کاشفیّۀ له فلا یقوم مقامه، وإنّما جاز ترتیب
الأثر علیها بدلیل
__________________________________________________
. 147 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضی، رقم: 33 / 1) وسائل الشیعۀ 27 )
صفحۀ 89 من 204
. 292 ، الباب 25 من أبواب کیفیّۀ الحکم، رقم: 2 / 2) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 154
خاصٍ لجهۀٍ معیّنۀ.
فالحق هو التفصیل.
ثم إنه یرد علی صاحب الکفایۀ القائل بتنزیل المؤدّي بمنزلۀ الواقع، التهافت بین کلامه هنا وما ذهب إلیه فی مسألۀ الجمع بین الحکم
الظاهري والواقعی من أنّ المجعول فی باب الأمارات هو المنجزیّۀ والمعذّریۀ … ولا یخفی عدم قیامها مقام القطع الموضوعی
الکشفی علی هذا المبنی، لأن المنجزیّۀ لا تفید الکاشفیۀ، إلّاإذا اخذ القطع فی الموضوع بما هو منجّز.
وهذا تمام الکلام علی قیام الأمارات مقام القطع الموضوعی الکشفی.
الکلام فی الاصول … ص: 154
وأمّا الاصول وهی علی قسمین.
الاصول المحرزة، وهی المجعولۀ وظیفۀً عملیّۀً فی ظرف الشک بلسان إحراز الواقع، کقاعدة الفراغ، بناءً علی کونها من الاصول
أي: إن الواقع ثابت. وفی «1» « بلی قد رکعت » : المحرزة، فإنّها تجري لدي الشک فی عدد الرکعات، حیث یقول علیه السلام
فیفید إحراز الیقین وبقائه إلی الزّمان «2 …» « لأنک کنت علی یقین » : الاستصحاب- علی القول بکونه من الاصول- یقول علیه السّلام
اللّاحق.
وتقابلها الاصول غیر المحرزة، کالبراءة مثلًا، حیث أن قوله علیه السلام:
__________________________________________________
. 317 ، الباب 13 من أبواب الرکوع، رقم: 3 / 1) وسائل الشیعۀ 6 )
. 466 ، الباب 37 من أبواب النجاسات، رقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 3 )
ص: 155
لیس له نظر إلی الواقع ولا یحرزه أصلًا. «1» « رفع ما لا یعلمون »
وتلخّص: أن الاصول العملیّۀ علی قسمین، وقد ظهر الفرق بینهما إجمالًا.
وعلیه، فإنّ موضوع البحث عن قیام الأصل مقام القطع، هو الأصل المحرز للواقع، کما هو واضح.
إلّا أن الکلام فی مفاد أدلّۀ اعتبار الأصل المحرز، فإنّه علی القول بإفادتها تنزیل المؤدّي بمنزلۀ الواقع، یتوجّه إشکال الکفایۀ کما
تقدّم.
قیامه مقام القطع الطریقی دون الموضوعی الصفتی … ص: 155
لکن التحقیق هو الطریقیّۀ- کما فی الأمارات- فالأصل المحرز یقوم- بدلیل اعتباره- مقام القطع الطریقی، کما لو قام الاستصحاب
علی خمریّۀ المائع، فإنّه یقوم مقام القطع الطریقی فی الأثر وهو المنجزیّۀ، إذ الخمر المستصحب الخمریّۀ کالخمر المعلوم خمریّته
بالعلم الطریقی، فکما یکون العلم حجۀً علی الاجتناب کذلک الاستصحاب، وهکذا لو قام الاستصحاب علی حرمۀ الخمر، بلا فرق.
فالأصل المحرز یقوم مقام القطع الطریقی موضوعاً وحکماً، فلولم یکن حجۀً علی الواقع کان جعله لغواً.
وأمّا القطع الموضوعی المأخوذ علی وجه الصفتیّۀ، فلا یقوم الأصل المحرز مقامه، لأن مفاد دلیل الاستصحاب- مثلًا- هو جعله
وتشریعه فی ظرف الشک، لا حصول صفۀ القطع، فإنّه لا یفید ذلک لا وجداناً ولا تعبّداً، فعدم قیامه مقام القطع الوصفی واضح بلا
صفحۀ 90 من 204
کلام.
__________________________________________________
. 369 ، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 15 )
ص: 156
الخلاف فی قیامه مقام الموضوعی الکشفی … ص: 156
إنما الکلام فی قیامه مقام القطع المأخوذ فی الموضوع علی وجه الکاشفیۀ:
فالشیخ والمیرزا وجماعۀ یقولون بالقیام، والمحقق الخراسانی یقول بالعدم، وللعراقی فی المقام تفصیل، وسیأتی الکلام علیه.
دلیل القول بالقیام … ص: 156
للقول بقیام الاصول المحرزة مقام القطع الموضوعی الکشفی، کالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز- بناءً علی عدم «1» وقد استدلّ
کونها من الأمارات- وقاعدة عدم اعتبار الشک من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر، وقاعدة عدم اعتبار الشک ممّن کثر شکّه وخرج
عن التعارف…
بأنّ الشارع قد اعتبر موارد جریان هذه القواعد علماً، فتترتّب علیها آثار العلم عقلیّۀً وشرعیّۀً، ومن ذلک هو الحکم المأخوذ فی
موضوعه القطع.
فإنْ قیل: کیف تعتبر علماً وقد اخذ الشکّ فی موضوع الاصول، فإنّ اعتبارها علماً- مع التحفّظ علی الشک المأخوذ فی موضوعها-
اعتبارٌ للجمع بین النقیضین؟
قلنا:
أمّا نقضاً، فإنّ الأمارات أیضاً مأخوذٌ فی موضوعها الشک، وقد تقرّر قیامها مقام القطع، غایۀ الأمر أن الاصول قد اخذ الشک فی
موضوعها فی لسان الدلیل اللّفظی، وفی الأمارات قد ثبت ذلک بالدلیل اللبّی، بل لقد اخذ الشک فی موضوع
__________________________________________________
.39 -38 / 1) مصباح الاصول 2 )
ص: 157
«1» « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاتَعْلَمُونَ » بعض الأمارات فی لسان الدلیل اللّفظی أیضاً، کقوله تعالی
.وأمّا حلّاً: فإنّ الشک المأخوذ فی موضوع الاصول هو الشکّ الوجدانی، والعلم تعبّد من الشارع، ولا تنافی بین الشک الوجدانی
ونحوهما، لکنّ «3» « الفقّاع خمر استصغره الناس » و «2» « الطواف بالبیت صلاة » والعلم التعبّدي، ولو کان منافاة لما صحّ التنزیل فی مثل
التنزیل صحیح، لأنه تعبد من الشارع مع کون الفقّاع غیر الخمر وجداناً، والطواف غیر الصّلاة.
الإشکال علیه … ص: 157
ویردّه: أنّ قیام الأصل مقام القطع الکشفی یحتاج إلی ثبوت الطریقیّۀ والکاشفیّۀ للأصل، إمّا بالسیرة العقلائیۀ الممضاة من الشارع، أو
من ظاهر الأدلّۀ المعتبرة له، فإذا حصل ذلک ترتّب علی الأصل جمیع آثار القطع، کما کان الحال فی الأمارات، حیث أن الإرتکاز
العقلائی قائم علی کون خبر الثقۀ طریقاً، ولذا یرتّبون علیه جمیع آثار العلم، وقد ذکرنا أنّ ذلک مقتضی دلیل اعتبار خبر الثقۀ أیضاً.
وعلی الجملۀ، فلو تمّ ذلک بالسّیرة أو بالدلیل اللّفظی للاستصحاب- مثلًا- کان مقتضی القاعدة ترتب آثار العلم والیقین علیه، کجواز
صفحۀ 91 من 204
الشهادة بالاستناد إلیه، وإذا لم یکن أحد الأمرین، کان مقتضی القاعدة العدم، وعلی هذا نقول:
__________________________________________________
. 1) سورة الأنبیاء: 7 )
85 ، وهو عامّی کما فی الهامش عن عدّةٍ من مصادرهم. / 2) أرسله العلّامۀ فی التذکرة 8 )
365 ، الباب 28 من أبواب الأشربۀ المحرّمۀ. / 3) وسائل الشیعۀ 25 )
ص: 158
إنّ السیرة العقلائیّۀ قائمۀ علی الأخذ بالاستصحاب، لکن لا من جهۀ إلقاء الشک بقاءً، کما کان فی الأمارة، بل إنهم یأخذون بالحالۀ
السابقۀ ویبقونها من باب الاطمینان ببقائها أو برجائها أو من باب الاحتیاط، فلیس عملهم علی طبق الحالۀ السّابقۀ استصحاباً للیقین
السّابق، فأخذهم بمقتضی الإستصحاب یختلف عن أخذهم بمفاد خبر الثقۀ.
وأمّا الأدلّۀ اللّفظیۀ فی الإستصحاب التی هی أدلّۀ اعتباره، فلا دلالۀ لها علی إلغاء الشک أصلًا، فهی لا تدلُّ إلّاعلی وجوب العمل
وهو غیر ظاهر فی کونه علی یقین «1» « فإنّه علی یقینٍ من وضوئه » :- بالحالۀ السّابقۀ، ففی الصحیحۀ الاولی لزرارة- وهی أظهر الأدلّۀ
فیکون المعنی: .« فلیس ینبغی أن ینقض الیقین بالشک » : فعلًا، بل الظاهر منه کونه علی یقینٍ من وضوئه، ویشهد بذلک قوله بعده
لا تنقض الیقین السابق بالشک اللّاحق فی العمل، فلا دلالۀ للروایۀ علی: إنک الآن علی یقین … ولا أقلّ من الشک، فتکون مجملۀً.
فإن ظاهرها: أنّ الیقین الحاصل بشیء ،«2 …» « لأنک کنت علی یقین من طهارتک فشککت، ولیس ینبغی » : وفی الصحیحۀ الثانیۀ
حدوثاً لا ینقض فیما بعد عملًا، ولیس المراد منها: أنت الآن علی یقینٍ تعبّداً.
أي: « من کان علی یقین فشکَّ، فلیمض علی یقینه » : وکذا قوله علیه السلام
عملًا.
فظهر: أنه لا دلیل- لا من السّیرة ولا من الأدلّۀ اللّفظیّۀ- علی إلغاء الشکّ فی
__________________________________________________
. 174 ، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
. 466 ، الباب 37 من أبواب النجاسات، رقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 3 )
ص: 159
الاستصحاب، فلا یمکن المساعدة مع الاستدلال المذکور، وستأتی بقیّۀ الکلام فی النظر فی استدلال المحقق النائینی.
هذا بالنسبۀ إلی الإستصحاب.
بلی قد » «1» « کلّما شککت فیه ممّا قد مضی فامضه کما هو » : وأمّا قاعدة الفراغ، فظواهر أدلّتها کذلک، فظاهر قوله علیه السلام
لأنه حین یتوضّأ » : هو المضیُّ عملًا علی الیقین السّابق، ولا تدلّ القاعدة علی جعل الیقین الآن، قال علیه السلام فی حدیثٍ «2» « رکعت
أي: فیجب العمل علی ما کان متیقّناً به متذکّراً له، لا أنه متذکر الآن. «3» « أذکر منه حین یشک
وعلی فرض التنزّل عمّا ذکرنا، فهی ظاهرة فی جعل المؤدّي.
فللقول بظهورها فی إلغاء احتمال الخلاف ونفی الشک وجه، إلّاأنّ ،«4» « لا شکّ لکثیر الشک » وأمّا النصوص فی کثیر الشک مثل
الکلام فی أنه إلغاء له من جمیع الجهات- کأن یجوز له الإخبار عن عدم الشک مثلًا- أو من جهۀ العمل فقط؟
لقد ذکر المیرزا وجود جهاتٍ عدیدة فی القطع، منها جهۀ العمل، وذکر أنّ الاصول المحرزة تنزل بمنزلۀ القطع فی جهۀ العمل،
وسیأتی نقل کلامه بالتفصیل.
__________________________________________________
صفحۀ 92 من 204
. 237 ، الباب 23 ، من أبواب الخلل، رقم: 3 / 1) وسائل الشیعۀ 8 )
. 317 ، الباب 13 ، من أبواب الرکوع، رقم: 3 / 2) وسائل الشیعۀ 6 )
. 471 ، الباب 42 ، من أبواب الوضوء، رقم: 7 / 3) وسائل الشیعۀ 1 )
وانظر الباب 16 من أبواب الخلل .« لا شکّ لکثیر الشکّ ولا شکّ فی النافلۀ » : 386 : کقوله صلّی اللَّه علیه وآله / 4) فی منیۀ الطالب 3 )
الواقع فی الصّلاة.
ص: 160
وعلیه، فلا ینزّل بمنزلته فی جهۀ الکشف والطریقیۀ، فلا یقوم مقام القطع الموضوعی الکشفی، فظهر ما فی الاستدلال المتقدّم علی
القیام.
هذا کلّه بالنظر إلی الدلیل اللّفظی.
وأمّا بالنظر إلی السیرة العقلائیۀ، فالظاهر قیامها علی الطریقیّۀ.
فالحق هو قیام قاعدة الفراغ والتجاوز، وقاعدة لا شک لکثیر الشک، وقاعدة حفظ الإمام أو المأموم، مقام القطع الموضوعی الکشفی.
«1» « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ » وأمّا ما تقدّم- عن مصباح الاصول- فی قوله تعالی
، فغریب من مثله، لِما تقرّر فی مباحث الإجتهاد والتقلید من أن الآیۀ إرشاد إلی حسن السؤال بقصد التعلّم، فهی فی مقام الحثّ علی
.«2» الرجوع إلی أهل العلم والأخذ منهم، ولا دلالۀ لها علی حجیّۀ الفتوي، ویشهد بذلک استدلال الإمام بها فی إمامتهم علیهم السلام
__________________________________________________
. 1) سورة الأنبیاء: 7 )
.423 / 2) انظر: البرهان فی تفسیر القرآن 3 )
ص: 161
تنبیهات … ص: 161
الأول: فی ما ذکره المحقق الخراسانی فی حاشیۀ الرسائل … ص: 161
اشارة
قد ذکر المحقق الخراسانی فی حاشیۀ الرسائل وجهاً لقیام الأمارات والاستصحاب مقام القطع الموضوعی الکشفی، بناءً علی تنزیل
المؤدّي بمنزلۀ الواقع.
وخلاصۀ ما ذکره هو:
إنّ دلیل الأمارة والاستصحاب وإنْ تکفّلا جعل المؤدّي والمستصحب وتنزیلهما منزلۀ الواقع، لکنّ مقتضی الملازمۀ کون القطع بهما-
بلحاظ أنهما منزَّلان منزلۀ الواقع- بمنزلۀ القطع بالواقع، فثبت أحد جزئی الموضوع بنفس دلیل الاعتبار والآخر بالملازمۀ وتمّ المدّعی
.«1»
وقد وقع الکلام بین الأعلام فی مراده من هذا الوجه والملازمۀ المذکورة فیه:
فقیل: المقصود هو الملازمۀ العقلیّۀ وبنحو دلالۀ الاقتضاء، إذ التعبّد بأحد الجزئین لا یصح من دون التعبّد بالجزء الآخر، لأنّ الدلیل
الدالّ علی التعبد بأحدهما یدلّ بدلالۀ الاقتضاء وصوناً لکلام الحکیم عن اللغویّۀ، علی التعبّد
__________________________________________________
صفحۀ 93 من 204
. 1) درر الفوائد فی حاشیۀ الفرائد: 7 )
ص: 162
.«1» بالجزء الآخر
وقیل: المقصود هو الملازمۀ العرفیّۀ، لأن الدلیل الدالّ علی التعبّد بالواقع وتنزیل المؤدّي منزلته، یدلّ عرفاً بالالتزام علی تنزیل القطع
.«2» بالواقع الجعلی منزلۀ القطع بالواقع الحقیقی
وقیل: المقصود هو الملازمۀ العرفیّۀ والعقلیّۀ معاً، توضیحه:
إنّ وفاء خطابٍ واحد وإنشاء واحد بتنزیلین وإنْ کان مستحیلًا، إلّاأن تنزیلین بإنشائین فی عرضٍ واحدٍ یدلّ دلیل الاعتبار علی أحدهما
بالمطابقۀ وعلی الآخر بالالتزام، لیس محالًا. وهنا کذلک، لدلالۀ دلیل الأمارة مثلًا علی ترتیب آثار الواقع مطلقاً ومنها الأثر المترتّب
علی الواقع عند تعلّق القطع به حتی فی صورة کون القطع تمام الموضوع، إذ لمتعلّقه دخل شرعاض ولو بنحو العنوانیۀ فی جمیع
المراتب.
وهذا التنزیل وإنْ کان یقتضی عقلًا تنزیلًا آخر، حیث أن الواقع لم یکن له فی المقام أثر بنفسه حتی یعقل التعبّد به هنا وتنزیل المؤدّي
منزلۀ الواقع بلحاظه، لکنه لا یقتضی عقلًا أنْ یکون المنزل منزلۀ الجزء الآخر هو القطع بالواقع الجعلی، لإمکان جعل شیء آخر مکانه،
إلّاأنه لا یبعد عرفاً أنْ یکون هو القطع بالواقع الجعلی.
.«3» فصون الکلام عن اللغویّۀ بضمّ الملازمۀ العرفیّۀ یدلّ علی تنزیل آخر فی عرض هذا التنزیل للجزء الآخر
__________________________________________________
.20 / 1) حاشیۀ الشیخ عبدالحسین الرّشتی علی الکفایۀ 2 )
. 2) مصباح الاصول: 41 )
.64 / 3) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 163
أمّا شیخنا الاستاذ دام بقاه، فقرّب الوجه بقوله:
إنّ الدلیل القائم علی اعتبار الأمارة والاستصحاب له دلالتان.
إحداهما: الدلالۀ المطابقیّۀ، حیث أنه یدلّ بالمطابقۀ علی تنزیل مؤدّي الأمارة والمستصحب منزلۀ الواقع، لأنّ أثر القطع هو الکشف
عن الواقع والطریقیّۀ إلیه، فإذّا نُزّل المؤدّي بمنزلۀ الواقع، کان التنزیل بحسب الکاشفیۀ والطریقیّۀ فیکون المنزّل علیه هو الواقع والمنزّل
هو المؤدي والمستصحب.
والثانیۀ هی: الدلالۀ الإلتزامیّۀ، بأنْ یکون دلیل الاعتبار دالّاً علی التنزیل بمنزلۀ القطع الذي له دخل فی موضوع الحکم، من جهۀ
الملازمۀ العرفیّۀ بین تنزیل المؤدّي والمستصحب منزلۀ الواقع وبین تنزیل الأمارة والشکّ منزلۀ الواقع، لأنّ المفروض کون التنزیل من
أجل الأثر الشّرعی، فلابدّ من الالتزام بدلالۀ دلیل تنزیل المؤدّي والمستصحب منزلۀ الواقع علی تنزیل الأمارة والشک فی البقاء منزلۀ
القطع بالواقعی الحقیقی، دلالۀً إلتزامیّۀً من باب دلالۀ الاقتضاء، إذْ لولا هذه الدلالۀ یلزم لغویۀ دلیل التنزیل.
ومثاله- کما تقدّم سابقاً- ما لو ورد فی الخطاب: إذا علمت بوجوب الصّلاة وجب علیک التصدّق بدینار، فالموضوع لوجوب التصدق
مرکّب من جزئین هما العلم ووجوب الصلاة، فإذا أخبر العادل بوجوب ال ّ ص لاة نزّل ما أخبر به منزلۀ الوجوب الواقعی ویکون هذا
التنزیل مستلزماً لتنزیل خبر العادل به بمنزلۀ القطع بالوجوب الواقعی، فتحقق تنزیلان أحدهما فی ناحیۀ وجوب الصّلاة والآخر فی ناحیۀ
العلم، وذاك تنزیل مطابقی وهذا التزامی، ولولم یتم التنزیل الثانی لزم لغویّۀ التنزیل الأول، لأن المفروض ترکّب الموضوع من العلم
ووجوب الصلاة،
صفحۀ 94 من 204
ص: 164
ولا یترتب الأثر الشرعی إلّابتمامیّۀ التنزیلین.
وإذا تعدّدت الدلالۀ- علی ما ذکر- لم یلزم اجتماع اللحاظین، لوضوح أن لزوم ذلک مبنی علی وحدة الدلالۀ.
عدوله عنه فی الکفایۀ … ص: 164
قال فی الکفایۀ:
.«1» وما ذکرنا فی الحاشیۀ … لا یخلو من تکلّف بل تعسّف
أقول:
أمّا التکلّف، فلأنّ دعوي الملازمۀ بین تنزیل المؤدي بمنزلۀ الواقع وتنزیل الیقین التعبّدي بمنزلۀ الیقین الواقعی، تحتاج إلی دلیلٍ فی
مقام الإثبات، ولا یوجد علیها دلیل، إذ الملازمۀ التکوینیۀ منتفیۀ، وکذا الشرعیّۀ، وتبقی العرفیّۀ، والمرجع فیها أهل العرف، ولیس عند
العرف هکذا تلازم.
وجوب صلاة » و « القطع » وأمّا التعسّف، فإشارة إلی مقام الثبوت، ففی المثال المذکور، لمّا کان موضوع وجوب التصدق مرکباً من
فجاء الخبر بوجوب صلاة الجمعۀ ونزّلنا المؤدي بمنزلۀ الواقع بدلیل اعتبار خبر الثقۀ، فهل یتمکّن دلیل الاعتبار من إحراز ،« الجمعۀ
القطع أیضاً؟ إنه لا یمکن، للزوم الدور، من جهۀ أنّ تنزیل الأمارة بمنزلۀ القطع- بإلغاء احتمال الخلاف- یتوقف علی ترتّب الأثر
الشرعی- وهو وجوب التصدّق علیه، وإلّا یکون التنزیل لغواً، لکنْ ترتّب هذا الأثر علیه یتوقف علی إحراز الموضوع- أيموضوع
وجوب التصدّق- والمفروض ترکبّه من جزئین أحدهما هو القطع، وإحراز القطع وتحقّقه یتوقف
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 266 )
ص: 165
علی تنزیل الأمارة بمنزلۀ القطع بإلغاء احتمال الخلاف، فکان تنزیل الأمارة بمنزلۀ القطع موقوفاً علی نفسه.
فالقول بأن دلیل الاعتبار یفید کلا التنزیلین بدلالتین- احداهما مطابقیۀ والاخري التزامیّۀ- باطل، بل یحتاج لتمامیّۀ التنزیل الثانی- وهو
تنزیل الأمارة بمنزلۀ القطع، وإلغاء احتمال الخلاف- إلی دلیلٍ آخر، أمّا بنفس دلیل الاعتبار فیستلزم الدور.
.«1» هذا بیان ما ذکره الأعلام
ناظر إلی مقام الثبوت. « التعسّف » ناظر إلی مقام الإثبات، و « التکلّف » وحاصله: أن
لکنّ السید الاستاذ قدّس سرّه بعد أنْ نقل عن الأعلام الوجه المذکور قال:
ولکنْ لا صراحۀ بل لا ظهور فی کلام صاحب الکفایۀ فیما حمل علیه، نعم فی تعبیره بالتوقّف مجرّد إشعار، ولکنه کما یمکن أن یرید
به ذلک، یمکن أن یرید به التوقف بمعنی التلازم، کما یقال: أحد الضدّین یتوقف علی عدم الآخر، مع أنه لا علیّۀ ولا معلولیّۀ بینهما.
ثم ذکر أنه یمکن أن یکون مراد صاحب الکفایۀ محذور آخر غیر الدّور،- وهو ما أفاده شیخنا أیضاً فی الدورة اللّاحقۀ- وهو:
إنّ التعبّد بأحد الجزئین فیما نحن فیه لمّا کان فی طول الآخر، کان التعبّد بالآخر فی ظرفه ممتنعاً، لعدم ترتب الأثر علیه وحده،
والفرض أن الجزء الآخر لا یتحقّق إلّابعد التعبد به، فملخّص الإشکال: إن التعبّد بالمؤدّي لا أثر له شرعاً
__________________________________________________
.28 / 1) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 1 ص 26 ، فوائد الاصول 3 )
ص: 166
صفحۀ 95 من 204
وهو یمنع من صحّۀ التعبّد، إذ التعبّد بالموضوع لا معنی له إلّاالتعبّد بالحکم.
فمرجع کلام الکفایۀ إلی أنه لابدّ أنْ یکون التعبّد بأحد الجزئین فی حین التعبّد بالجزء الآخر، لا أنّ التعبّد بأحدهما یتوقف علی التعبد
.«1» بالآخر وإلّا لزم الدور حتی فی مورد التعبد بالجزئین فی عرض واحد کما لا یخفی
الثانی: فی تفصیل المحقّق العراقی … ص: 166
قد فصّل المحقق العراقی قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعی الکشفی، بین ما لو اخذ القطع فی لسان الدلیل علی وجه الکاشفیۀ،
فیقوم الاستصحاب بأدلّته مقام القطع، وما لو کان المأخوذ نفی الشک، فلا تفید أدلّۀ الاستصحاب قیامه مقامه، قال:
أو إلی « المتیقّن » ناظر إلی « لا تنقض » وأمّا الاصول المحرزة کالاستصحاب، فقیامه مقام القطع الموضوعی، مبنی علی أنّ التنزیل فی
فعلی الأوّل، لا یقوم مقام القطع الموضوعی، لعین ما ذکرناه فی الأمارات. وعلی الثانی، یقوم مقام القطع الموضوعی تماماً أو .« الیقین »
جزءاً، نظر إلی اقتضائه بتلک العنایۀ لإثبات العلم بالواقع، ومرجعه- علی ما عرفت- إلی إیجاب ترتیب آثار العلم بالواقع فی ظرف
الشک به.
نعم، حیث إنه لوحظ فی موضوعه الجهل بالواقع والشک فیه، یحتاج فی قیام مثله مقام القطع الموضوعی إلی استظهار کون موضوع
الأثر فی الدلیل هو صرف انکشاف الواقع محضاً بلا نظر إلی نفی الشک فیه، وإلّا فلا مجال لقیام الاستصحاب مقامه، نظراً إلی ما
عرفت من انحفاظ الشک بالواقع فی
__________________________________________________
.84 / 1) منتقی الاصول 4 )
ص: 167
.«1 …» موضوعه
وحاصله: الفرق بین دلیل الاستصحاب ودلیل عدم اعتبار الشک من کثیر الشک، وعدم اعتبار السهو من المأموم مع حفظ الامام،
ونحوهما، فتلک الأدلۀ تقوم مقام القطع، لأنه ینفی الشکّ، بخلاف دلیل الاستصحاب، لکونه یأتی بالیقین فی ظرف الشک مع حفظ
الشک لا نفیه.
أقول:
والظاهر عدم تمامیّۀ هذا التفصیل، لأن دلیل الاستصحاب وإنْ أفاد حفظ الشکّ، لکنه الشک الوجدانی، وقد احتفظ علیه فی الآن
اللّاحق لیکون مع الیقین السابق موضوعاً لحرمۀ النقض عملًا، وقد تقرّر أنْ لا تنافی بین الیقین التعبدي والشک الوجدانی. وأمّا الشک
نعم، نفی الشک لا یستلزم الیقین. « إنک لست بشاك » و « أنت متیقّن » الاعتباري، فینفیه إثبات الیقین، لوجود الملازمۀ العرفیۀ بین
ولکنْ، إذا کان کذلک، فلماذا لا یقال بحجیّۀ الأصل المثبت؟ فتدبّر.
الثالث: فی ما ذکره المحقق النائینی … ص: 167
اشارة
قیام الأمارات والاصول المحرزة مقام القطع الموضوعی الکشفی، وملخّص کلامه هو: «2» اختار المیرزا
إن فی العلم أربع جهات:
الاولی: قبول النفس للصّورة العلمیّۀ. وهی مرتبۀ الانفعال.
صفحۀ 96 من 204
والثانیۀ: حصول الصّورة العلمیّۀ فیها. وهی مرتبۀ الفعل.
__________________________________________________
.27 - 1) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 26 )
.20 / 2) أجود التقریرات 3 )
ص: 168
والثالثۀ: الصّورة العلمیّۀ کیفیۀ قائمۀ بالنفس، وهی مرتبۀ الکیف.
والرابعۀ النسبۀ بین الصّورة والمعلوم بالعرض، وهی مرتبۀ الإضافۀ.
وفی المرتبۀ الرابعۀ جهتان، جهۀ العقد القلبی، حیث الإنسان عالم وقاطعٌ ومتیقّن، وجهۀ الکشف عن المعلوم بالعرض.
قال:
إن الإمارة تفید جهۀ الکشف بأدلّۀ اعتبارها، وأمّا الأصول المحرزة، فأدلّۀ اعتبارها تفید عقد القلب، أيالبناء العملی.
فکانت الأمارة والاصول قائمۀ مقام القطع الموضوعی الکشفی، غیر أنّ المجعول فی الأمارات هو الکاشفیّۀ والطریقیۀ، والمجعول فی
الاصول هو البناء العملی.
ثم إنه ذهب إلی أنّ هذا القیام هو من باب حکومۀ أدلّۀ اعتبار الأمارة والأصل علی الأدلّۀ الواقعیّۀ حکومۀً ظاهریۀ، لأنّ الحکومۀ علی
علی الأدلّۀ الواقعیۀ « لا ربابین الوالد والولد » علی الأدلّۀ الواقعیۀ لل ّ ص لاة، وکحکومۀ « الطواف بالبیت صلاة » قسمین، واقعیۀ، کحکومۀ
للربا، حیث أنّ الحاکم والمحکوم فی عرضٍ واحدٍ ویتصرّف الحاکم فی المحکوم توسعۀً کما فی المثال الأول، أو تضییقاً کما فی
الثانی، ولا احتمال للخلاف.
أمّا فی باب الأمارات والاصول بالنسبۀ إلی الأدلّۀ الواقعیۀ، فالطرفان فی الطّول ولیسا فی العرض، فإذا قامت البیّنۀ علی خمریۀ مائع،
دلّت علی التوسعۀ فی دائرة الخمر، وأنه أعمّ من الخمر الواقعی والخمر الذي قامت علیه البیّنۀ، وهی حکومۀ ظاهریّۀ، بحیث أن الأثر
یترتب ما لم ینکشف الخلاف، فإذا
ص: 169
انکشف سقط.
وتظهر النتیجۀ فی مسألۀ الإجزاء، ففی الحکومۀ الواقعیّۀ حیث لا یتحقق الخلاف یثبت الإجزاء، وفی الظاهریّۀ یکون الحکم عدم
الإجزاء بمجرد انکشاف الخلاف.
الإشکال علیه … ص: 169
وقد أورد علیه الاستاذ بوجوه:
الأول: قد وقع الخلط فی کلامه بین انفعال النفس ومقولۀ الإنفعال التی هی من الأعراض التسعۀ، ففی مورد حصول العلم تکون النفس
مستعدّة لقبول المعلوم بالذات، وهی الصورة، وتنفعل بحصولها فیها، وأهل الفن یعبّرون عن هذا الإمکان الاستعدادي بالعقل
الهیولائی، وهذا غیر مقولۀ الإنفعال، فإنها عبارة عن التأثر التدریجی مثل تسخّن الماء بالحرارة، کما أن تأثیر النهار تدریجاً فی سخونۀ
الماء من مقولۀ الفعل…
الثانی: ما ذکره فی المرتبۀ الرابعۀ من أنها مرتبۀ الإضافۀ.
فیه: أنّ قوام مقولۀ الإضافۀ کون المتضائفین متکافئین قوةً وفعلًا، وفی العلم قد لا یکون للمعلوم بالعرض واقعیّۀ أصلًا کما فی الجهل
المرکب، فیلزم وجود أحد المتضایفین دون الآخر. فإذن، لیس العلم من مقولۀ الإضافۀ.
صفحۀ 97 من 204
الثالث: ما ذکره من وجود الجهتین فی المرتبۀ الرابعۀ.
فیه: إن البناء القلبی من أفعال القلب، ولذا یتعلّق به التکلیف من الوجوب والحرمۀ، کما هو الحال فی المسائل الاعتقادیۀ، وأمّا العلم،
فلا یتوجّه إلیه التکلیف من الوجوب والحرمۀ، نعم، یتّصف طلب العلم بهما، فیقال: طلب العلم
ص: 170
الحق واجب وطلب العلم الباطل حرام.
الرابع: إنه بناءً علی ما ذکره من وجود جهۀ الکشف، فإنّ المجعول فی باب الأصل المحرز هو جهۀ البناء القلبی لا جهۀ الکشف
والطریقیۀ، وهذا هو الفارق بینه وبین الأمارة- علی مسلک المیرزا- وعلیه، فکیف یقوم الأصل المحرز مقام القطع المأخوذ موضوعاً
علی نحو الطریقیّۀ؟
الخامس: إن ما ذکره فی الحکومۀ الظاهریۀ صحیح، فمع قیام الأمارة أو الأصل المحرز لا تتحقّق التوسعۀ حقیقۀ فی الموضوع بل
الحکومۀ ظاهریۀ، لکون الأمارة أو الأصل فی طول الموضوع لا فی عرضه … لکنّ الأمر بالنسبۀ إلی القطع المأخوذ فی الموضوع علی
وجه الطریقیّۀ لیس کذلک، بل هما فی العرض، فالدلیل القائم علی أنه إذا قطعت فاشهد، قد اخذ فیه القطع موضوعاً لجواز الشهادة،
ثم أفاد دلیل اعتبار خبر الثقۀ کاشفیّۀ الخبر وطریقیّته إلی الواقع، والنسبۀ بین الدلیلین هی العرضیۀ لا الطولیّۀ، بل هما مثل: الخمر حرام،
والفقاع خمر، وحینئذٍ تکون الحکومۀ واقعیّۀً.
فالتحقیق: إن الحکومۀ الظاهریّۀ تکون بین القطع الطریقی والأمارة والأصل لکونهما فی الطول، أمّا القطع المأخوذ فی الموضوع کلّاً أو
جزءً، فالحکومۀ بینه وبین الأصل والأمارة واقعیۀ، لکونهما فی عرضٍ واحد.
السادس: إنّ الشک المأخوذ فی الأمارة والأصل المحرز موضوعٌ عندنا ثبوتاً فی الأمارات وإثباتاً فی الاصول، أمّا عند المیرزا، فهو فی
الأمارات ظرف، وعلی کلّ حالٍ، فإنّ الدلیل فی کلٍّ من الأصل والأمارة قد اعتبر فیه الشکّ فی الواقع، وعلیه، فإنّ دلیل الأصل أو
الأمارة یکون فی عرض دلیل الواقع، فلا
ص: 171
یتحقّق مناط الحکومۀ الظاهریّۀ وهو الطولیّۀ.
وبعد
فالتحقیق هو قیام الأمارة والأصل المحرز مقام القطع الموضوعی الکشفی، بناءً علی أنّ المجعول فی باب الأمارات هو الطریقیۀ
والکاشفیّۀ کما هو التحقیق.
وهذا تمام الکلام فی هذا المبحث.
ص: 172
أحکام القطع بلحاظ المتعلّق … ص: 172
اشارة
قال فی الکفایۀ
لا یکاد یمکن أن یؤخذ القطع بحکم فی موضوع نفس هذا الحکم، للزوم الدور، ولا مثله، للزوم اجتماع المثلین، ولا ضدّه، للزوم
.«1» اجتماع الضدّین
هل یمکن أخذ القطع بالحکم فی موضوع الحکم …؟ ص: 172
صفحۀ 98 من 204
أمّا أخذ القطع بالحکم موضوعاً للحکم نفسه، کأن یقول: إذا قطعت بوجوب ال ّ ص لاة فال ّ ص لاة واجبۀ علیک، فیستلزم الدور کما ذکر،
لأنّ القطع بالحکم متوقف علی الحکم، توقف المتعلّق علی المتعلّق به، لکنّ الحکم متوقف علی القطع توقف الحکم علی موضوعه،
فیلزم توقف الحکم علی نفسه.
هذا أحد تقریبات الدّور فی المقام.
بما حاصله: إنّ الموقوف علی القطع غیر ما یتوقف علیه القطع، لأنّ ما یتوقف علیه القطع هو «2» وقد أورد علیه المحقق الإصفهانی
الصّورة الذهنیۀ للقطع، ضرورة أنّ القطع لا یتعلّق بالموجودات الخارجیۀ وإلّا یلزم انقلاب الذهن خارجاً أو الخارج ذهناً، وعلیه، فالقطع
عارض علی الوجود الذهنی للحکم، وما یتوقف علیه القطع هو الوجود الخارجی للحکم، فحصل التغایر، فلا دور.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 266 )
.68 / 2) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 173
فی أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر، وقد ذکره «1» قال سیّدنا الاستاذ: وبنظیر هذا البیان یندفع محذور الدّور الذي ذکره فی الکفایۀ
.«2» صاحب الکفایۀ هناك وقرّره ولم یدفعه، ولأجل ذلک، لا یمکننا إسناد هذا البیان للدور إلی صاحب الکفایۀ
تقریبین آخرین ولم یدفعهما: «3» ثم أورد رحمه اللَّه
أحدهما: ما ذکره المحقق الإصفهانی، و ملخّصه: إن الحکم معلّقاً علی القطع تارةً یکون بنحو القضیّۀ الخارجیّۀ واخري بنحو القضیّۀ
الحقیقیّۀ، فعلی الأول: بأنْ یحکم المولی علی من حصل لدیه العلم بالحکم، ولکن لازمه اللغویّۀ، لأن الحکم إنما هو لجعل الدّاعی،
ومع علم المکلّف بالحکم لا یکون جعل الحکم فی حقّه ذا أثر من هذه الجهۀ. وعلی الثانی: یلزم الخلف، إذ مع جعل المولی هذه
القضیّۀ، أعنی ثبوت الحکم عند تحقق العلم به ووصوله إلی المکلّف، یستحیل أن یتحقّق العلم بالحکم. وما یبتنی علی أمرٍ محال
محال.
والثانی: إن تعلیق الحکم فی الذهن علی العلم به، یستلزم عدم محرکیّته وداعویّته، وذلک، لأن المکلّف إذا فرض أنه جزم بثبوت
الحکم خارجاً واعتقد بتحقّقه، فهو یري أن الحکم موجود فی الخارج، والموجود لا یقبل الوجود والتّحقیق ثانیاً. وعلیه، فهو یري أن
ثبوت الحکم عند علمه به محال، ومعه لا یکون الحکم محرّکاً وداعیاً، إذ الداعویّۀ تتقوّم بالوصول، والمفروض أن
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 73 )
.87 / 2) منتقی الاصول 4 )
.88 / 3) منتقی الاصول 4 )
ص: 174
المکلّف یري محالیّۀ ثبوته، فیستحیل جعله حینئذٍ. ونتیجۀ ذلک: إن تعلیق الحکم علی العلم به أمر ممتنع عقلًا ولا یمکن الالتزام به.
قال: وهذا وجه بسیط لا التواء فیه.
وأیضاً، یستلزم اجتماع المتقابلین، لأن الحکم متقدّم طبعاً علی القطع المتعلّق به، لکنه متأخّر عنه لأن المفروض کونه أيالقطع-
موضوعاً له، فیلزم اجتماع التقدّم والتأخّر فی الحکم، واجتماعهما فی الشیء الواحد محال.
ثم إنّ القطع فی المثال تارةً مطابق للواقع واخري مخالفٌ، فإنْ کان مطابقاً، لزم المحذوران فی الواقع وفی ذهن القاطع، وإن کان
مخالفاً لزم المحذوران فی ذهن القاطع الذي هو جاهل بالجهل المرکب.
صفحۀ 99 من 204
هل یمکن أخذ القطع بالحکم فی موضوع مثله …؟ ص: 174
وأمّا أخذ القطع بالحکم فی موضوع مثل هذا الحکم، کأن یقول: إذا قطعت بوجوب ال ّ ص لاة فالصلاة واجبۀ علیک بمثل ذلک
الوجوب. فیستلزم اجتماع المثلین. فإنْ کان القطع مطابقاً للواقع، فالمحذور لازم واقعاً وفی ذهن القاطع، وإنْ کان مخالفاً له، ففی ذهنه
فقط.
هذا ما ذهب إلیه صاحب الکفایۀ.
القول بالجواز … ص: 174
وقال المیرزا: ربما یقال فیه بالجواز، نظراً إلی عدم ترتّب محذور علی ذلک إلّا ما یتوهّم من استلزامه لاجتماع المثلین، وهو لا یکون
بمحذور فی أمثال المقام أصلًا، فإن اجتماع عنوانین فی شیء واحد یوجب تأکّد الطلب، وأین ذلک من اجتماع الحکمین المتماثلین؟
وقد وقع نظیر ذلک فی جملۀ من الموارد، کما فی
ص: 175
.«1» موارد النذر علی الواجب وأمثاله
وإلی الجواز ذهب السید الخوئی، إذ قال:
وأمّا أخذ القطع بحکمٍ فی موضوع حکم آخر مثله، کما إذا قال المولی إذا قطعت بوجوب ال ّ ص لاة تجب علیک الصّلاة بوجوب آخر،
فالصحیح إمکانه، ویرجع إلی التأکد، وذلک:
لأن الحکمین إذا کان بین موضوعیهما عموم من وجه، کان ملاك الحکم فی مورد الاجتماع أقوي منه فی مورد الافتراق، ویوجب
التأکد، ولا یلزم اجتماع المثلین أصلا، کما إذا قال المولی: أکرم کل عالم، ثم قال: أکرم کلّ عادل، فلا محالۀ یکون وجوب الإکرام
فی عالم عادل آکد منه فی عالم غیر عادل أو عادل غیر عالم، ولیس هناك اجتماع المثلین، لتعدّد موضوع الحکمین فی مقام الجعل.
وکذا الحال لو کانت النسبۀ بین الموضوعین هی العموم المطلق، فیکون الحکم فی مورد الاجتماع آکد منه فی مورد الافتراق، کما إذا
تعلّق النذر بواجب مثلًا، فإنه موجب للتأکد لا إجماع المثلین، والمقام من هذا القبیل بلحاظ الموضوعین، فإن النسبۀ بین ال ّ ص لاة بما
هی، وال ّ ص لاة بما هی مقطوعۀ الوجوب هی العموم المطلق، فیکون الحکم فی مورد الاجتماع آکد منه فی مورد الافتراق، ومن قبیل
العموم من وجه بلحاظ الوجوب والقطع به، إذ قد لا یتعلّق القطع بوجوب ال ّ ص لاة مع کونها واجبۀ فی الواقع، والقطع المتعلق بوجوبها
.«2» قد یکون مخالفاً للواقع، وقد یجتمع وجوب الصلاة واقعاً مع تعلق القطع به، ویکون الملاك فیه أقوي فیکون الوجوب بنحو آکد
__________________________________________________
.34 / 1) أجود التقریرات 3 )
.46 -45 / 2) مصباح الاصول 2 )
ص: 176
وتبعه سیّدنا الاستاذ حیث قال:
یمکن اجتماع حکمین بنحو التأکّ د بمعنی بمعنی أن یکون هناك حکم واحد مؤکّد، لإمکان اجتماع مصلحتین توجبان تأکد الإرادة
وهی توجب تأکد البعث، بمعنی أنها توجب إنشاء البعث المؤکد، فإن الحکم هو التسبیب للبعث الاعتباري العقلائی، وبما أن البعث
یتصف خارجاً بالشدة والضعف أمکن اعتبار البعث الأکید، کما أمکن اعتبار البعث الضعیف.
ومما یشهد لصحّۀ ما ذکرناه صحۀ تعلّق النذر بواجب وانعقاده، ولازمه تأکد الحکم، ولم یتوهم أحد أن وجوب الوفاء بالنذر فی
صفحۀ 100 من 204
المقام یستلزم اجتماع المثلین المحال، کما یشهد له شمول الحکمین الاستغراقیین لما ینطبق علیه موضوعاهما، نظیر العالم الهاشمی
ولم یتوهم خروج المورد عن کلا الحکمین لاستلزامه اجتماع المثلین. ،« أکرم الهاشمی » و « أکرم العالم » : الذي ینطبق علیه
ومما یقرب ما نقوله أیضاً فی اجتماع المثلین، أنه لم یرد فی العبارات بیان امتناع وجوب الإطاعۀ شرعاً من باب أنه یستلزم اجتماع
المثلین، مع أن البعض یري أن الإطاعۀ عبارة عن نفس العمل، أو أنها وإن کانت من العناوین الانتزاعیّۀ، لکن الأمر بالأمر الانتزاعی
یرجع إلی الأمر بمنشأ انتزاعه- کما علیه المحقق النائینی-، بل ادّعی کون محذوره التسلسل ونحوه مما یظهر منه أن اجتماع المثلین
بالنحو الذي ذکرناه أمر صحیح ارتکازاً.
وبالجملۀ: التماثل بمعنی التأکد ووجود واقع الحکمین لا مانع منه. وامّا اجتماع حکمین مستقلین متماثلین، فلا نقول به لامتناعه مبدأ
ومنتهی.
ص: 177
.«1» وعلیه، فلا مانع من تعلیق حکم مماثل علی القطع بالحکم إذا کان بنحو التأکد
القول بعدم الجواز … ص: 177
لکنْ قال المیرزا:
ولکنّ التحقیق هو استحالۀ ذلک أیضاً؛ فإنّ القاطع بالخمریّۀ- مثلًا- إنّما یري الخمر الواقعی، ولا یري الزجر عمّا قطع بخمریّته إلّازجراً
عن الواقع، فلیس عنوان مقطوع الخمریّۀ عنده عنواناً آخر منفکّ اً عن الخمر الواقعی ومجتمعاً معه أحیاناً حتی یمکن تعلّق حکمٍ آخر
علیه فی قبال الواقع، کما فی موارد اجتماع وجوب الشیء فی حدّ نفسه مع وجوب الوفاء بالنذر وأمثاله، ومع عدم قابلیّۀ هذا العنوان
.«2» لعروض حکمٍ علیه فی نظر القاطع لا یمکن جَعْله له حتی یلتزم بالتأکّد فی موارد الاجتماع
واختار شیخنا عدم الجواز وذکر فی بیان ذلک بالنظر إلی کلام السیّد الخوئی:
ما ذکره یتمّ فی موارد نسبۀ العموم من وجه مثل: أکرم العالم وأکرم الهاشمی، فیتأکّد الحکم فی المجمع، ونسبۀ العموم والخصوص
المطلق، کما إذا نذر صلاةً واجبۀً، ولا یتمّ فیما نحن فیه، والسرّ فی ذلک أنّ الحکمین فی تلک الموارد عرضیّان، ولیس معنی التأکّد
حدوث الحکمین ثم اندکاك أحدهما فی الآخر، لأن اجتماع المثلین حدوثاً غیر معقول کذلک، بل المراد أنه مع ثبوت
__________________________________________________
.92 / 1) منتقی الاصول 4 )
.35 / 2) أجود التقریرات 3 )
ص: 178
الدلیلین وکون کلّ واحد منهما ذا اقتضاء تام، یکشف عن جعل الحکم الواحد فی المجمع من أوّل الأمر. أمّا فیما نحن فیه فالحکمان
طولیّان، فلابدّ من الحکم المجعول حتّی یتحقّق القطع به لیکون موضوعاً للحکم الثانی، وبمجرّد تحقق الحکم الأوّل، یمتنع تحقق
الحکم الثانی للزوم اجتماع المثلین آناًمّا، ومع الطولیۀ لا معنی للتأکّد.
هل یمکن أخذ القطع بالحکم فی موضوع ضدّه …؟ ص: 178
وأمّا أخذ القطع بالحکم فی موضوع ضدّ هذا الحکم، کأن یقول: إذا قطعت بوجوب ال ّ ص لاة فال ّ ص لاة محرّمۀ علیک، فیستلزم اجتماع
الضدّین، والکلام کالکلام فی سابقه.
صفحۀ 101 من 204
رأي المحقق العراقی … ص: 178
إلی أنّه لا یلزم اجتماع الضدّین، لأنّ الوجوب قد تعلّق بال ّ ص لاة بما هی، والحرمۀ قد تعلّقت بال ّ ص لاة «1» هذا، وذهب المحقّق العراقی
بما هی مقطوعۀ الوجوب، فتعدّد موضوع الحکمین بحسب الجعل.
إشکال المحقق الخوئی … ص: 178
أجاب عنه السید الخوئی قائلًا:
لکن التحقیق لزوم اجتماع الضدّین، إذ الحرمۀ وإنْ تعلّقت بال ّ ص لاة بما هی مقطوعۀ الوجوب فی مفروض المثال، إلّاأن الوجوب قد
تعلّق بها بما هی، وإطلاقه یشمل ما لو تعلّق القطع بوجوبها، فلزم اجتماع المثلین، فإن مقتضی إطلاق الوجوب کون الصّلاة واجبۀً ولو
حین تعلّق القطع بوجوبها، والقطع طریق
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الأفکار ج 1 ق 3 ص 28 )
ص: 179
.«1» محض، ومقتضی کون القطع بالوجوب مأخوذاً فی موضوع الحرمۀ کون الصّلاة حراماً فی هذا الحین، وهذا هو اجتماع الضدّین
النظر فیه … ص: 179
لکنّ هذا الجواب لا یدفع الإشکال المبنیّ علی اختلاف المرتبۀ، لأن الحکم الذي موضوع القطع متأخّر عن القطع، أمّا الحکم الذي
تعلّق به القطع فمتقدّم علیه، ویستحیل أن یکون فی مرتبۀ القطع فضلًا عن التأخّر عنه، فکلٌّ منها فی مرتبۀٍ، ومع اختلاف المرتبۀ لا
اجتماع للضدّین.
إذن، ینحصر الجواب بلزوم اجتماع الضدّین فی ذهن القاطع ولحاظه، لأنّ من قطع بالوجوب یري عدم الحرمۀ، لکن المفروض کونه
قاطعاً بالحرمۀ هو یراها، فیلزم اجتماع الحرمۀ وعدم الحرمۀ فی افق ذهنه، فالمحذور لازم بحسب مقام الفعلیّۀ وان لم یلزم بحسب مقام
الجعل لتعدّر المرتبۀ علی المبنی.
هل یمکن أخذ القطع بمرتبۀٍ من الحکم … ص: 179
ثم قال صاحب الکفایۀ:
.«2» نعم، یصحّ أخذ القطع بمرتبۀ من الحکم فی مرتبۀ اخري منه أو مثله أو ضدّه
أقول:
ومثال ذلک:
إذا علمت بوجوب الصّلاة إنشاءً، وجبت علیک فعلًا بنفس ذاك الوجوب
__________________________________________________
.45 / 1) مصباح الاصول 2 )
. 2) کفایۀ الاصول: 267 )
ص: 180
صفحۀ 102 من 204
أو مثله أو حرمت علیک فعلًا.
أقول:
وهذا مبنیٌّ علی ما ذهب إلیه، من أنّ للحکم أربع مراتب:
مرتبۀ الاقتضاء، وهی مرتبۀ الملاکات.
ثمّ مرتبۀ إنشاء الحکم.
ثم مرتبۀ الفعلیۀ، وهی مرتبۀ تحقّق القیود والشرائط.
ثم مرتبۀ التنجّز والوصول وترتب الأثر من الثواب والعقاب.
وفی المقابل هو القول بأن للحکم مرتبتین فقط هما: مرتبۀ الإنشاء ومرتبۀ الفعلیّۀ، وقد یستفاد هذا الرأي من کلمات الشیخ.
وهذا القول هو الصحیح.
«1» « وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبیلًا » فإنّ الخطابات الشرعیّۀ کلّها بنحو القضایا الحقیقیّۀ، فمعنی قوله تعالی
هو: کلّما تحقّق المکلّف واتصف بالاستطاعۀ فعلیه الحج، فهذا إنشاءٌ للحکم، سواء کان فی العالم شخصٌ أوْلا. فإن تحقّق وجوده
خارجاً واتصف بالاستطاعۀ، حصلت الفعلیّۀ للحکم.
أمّا مرحلۀ الملاکات، فلا علاقۀ لها بالحکم، بل لولا الملاك من المصلحۀ والمفسدة لما تحققت الحاکمیّۀ والحکم من الحاکم، فإنّه
لمّا یلحظ الملاك یجعل الحکم وینشؤه.
وکذلک مرحلۀ التنجز، فإنها لا علاقۀ لها بالحکم، لأنّ الحکم إذا تحقّق
__________________________________________________
. 1) سورة آل عمران: 97 )
ص: 181
یأتی البحث عن أثره، إذ المکلّف إن کان مطیعاً للحکم استحق الثواب، وإن کان عاصیاً له استحق العقاب.
ومن هنا قال المحقق الإصفهانی: بأن الإنشاء بداعی جعل الداعی مصداق حقیقی للحکم، لأنّ الإنشاء قد یکون بداعی الامتحان-
مثلًا- فهذا لیس بحکم، أمّا الحکم ما کان بداعی جعل الداعی فی نفس المکلّف إلی الإمتثال.
فی المسألۀ قولان … ص: 181
وبعد، فهل یجوز أخذ القطع بمرتبۀ من الحکم موضوعاً لمرتبۀ اخري؟
قولان.
ذهب المحقق الخراسانی وتبعه المحقق الإیروانی إلی الجواز، وخالفه المحقق الإصفهانی وتبعه السیّد الخوئی.
دفاع السید الخوئی عن رأي الإصفهانی … ص: 181
ووجه القول الثانی ما ذکره السیّد الخوئی، إذ قال:
أمّا علی المبنی المختار من أنه لیس للحکم إلّامرتبتان، الاولی: مرتبۀ الفعل … والثانیۀ مرتبۀ الفعلیّۀ … فلا یمکن أخذ القطع بمرتبۀ
الجعل من حکم فی مرتبۀ الفعلی منه، إذ لیس المراد من القطع المأخوذ فی مرتبۀ الفعلیّۀ من الحکم هو القطع بالحکم الثابت لغیر
القاطع، وإلّا فإمکانه بمکان من الوضوح بلا حاجۀ إلی فرض تعدّد المرتبۀ، لصحّۀ ذلک ولو مع وحدة المرتبۀ، کما لو فرض أنّ القطع
بوجوب الحج علی زید قد اخذ فی موضوع وجوبه علی عمرو، بل المراد هو القطع بالحکم الثابت لنفس القاطع، وحینئذٍ، لا یمکن
صفحۀ 103 من 204
أخذ القطع بمرتبۀ الجعل من حکم فی موضوع مرتبۀ الفعلی منه، إذ ثبوت الحکم لشخص القاطع جعلًا
ص: 182
.«1» ملازم لفعلیّۀ، فلا محالۀ یتعلّق القطع بالحکم الفعلی، وحیث أن المفروض دخل القطع فی فعلیۀ الحکم، لزم الدور
توضیحه علی المثال المذکور وهو الحج:
إن شمول خطاب وجوب الحج- المنشأ بالآیۀ المبارکۀ ومعناه: کلّ من وجد واتّصف بالاستطاعۀ فالحج واجب علیه- لهذا المکلّف،
موقوفٌ علی حصول الاستطاعۀ له خارجاً، وإلّا فلیس حکماً مجعولًا له، وإذا تحقّقت الاستطاعۀ، فالحکم فی حقّه فعلی، فلو أنّ القطع
بالحکم المجعول قد اخذ فی مرتبۀ الفعلیّۀ، فلا ثبوت للحکم وجَعله بالنسبۀ إلیه إلّابعد القطع، لکن حصول القطع موقوف علی ثبوته له
جعلًا، لأنّ القطع طریق إلی الحکم، فلابدّ فی تعلّقه به من تحقق الحکم وثبوته فی المرتبۀ السّابقۀ. وهذا هو الدور.
دفاع الإیروانی عن رأي الکفایۀ … ص: 182
ولکنّ المحقق الإیروانی قرّب کلام الکفایۀ بقوله:
المختار صحّۀ أخذ القطع بمرتبۀٍ من الحکم فی موضوع مرتبۀ اخري منه، فیؤثّر القطع المتعلّق بالمصلحۀ فی بلوغها إلی درجۀ التأثیر فی
الفعلیّۀ، وذلک لأن مرتبۀ الفعلیّۀ إنما تقوم بما قامت به مرتبۀ الإنشاء إذا کانت مرتبۀ الإنشاء علّۀ تامّۀ لفعلیّته، أما إذا کانت من مجرّد
الاقتضاء فلا محیص من دخل عدم المانع فی الفعلیّۀ مع عدم دخله فی الاقتضاء، ولیکون المقام من ذلک، فیکون القطع مزیلًا للمانع
.«2» المتمّم لفعلیّۀ التأثیر
__________________________________________________
.47 -46 / 1) مصباح الاصول 2 )
.447 / 2) حاشیۀ الکفایۀ 2 )
ص: 183
توضیحه: إن مرتبۀ الإنشاء هی مرتبۀ الإقتضاء، وحینئذٍ، یکون من المعقول حصول ما یمنع الحکم من الوصول إلی الفعلیّۀ، لکنّ القطع
رافع للمانع، فیجوز أخذه موضوعاً للفعلیّۀ ولا دور. نعم، لو کانت الفعلیّۀ قائمۀ بالإنشاء لم یعقل أخذ القطع بالإنشاء موضوعاً للفعلیّۀ،
لکنّ مرتبۀ الإنشاء مرتبۀ الاقتضاء، وهی متقدّمۀ علی مرتبۀ الفعلیّۀ، والقطع بها یوجب فعلیّۀ الحکم، فلا مانع من أخذ القطع بمرتبۀٍ
موضوعاً لمرتبۀ اخري.
الإشکال علیه … ص: 183
وفیه: ما هو المانع عن فعلیّۀ الحکم المرفوع بالقطع؟ إنه لا یخلو من أنْ یکون الجهل بالحکم أو مانع آخر غیر الجهل به، فإن کان غیر
الجهل فهو لا یرتفع بالقطع بالإنشاء، مثلًا: الحج واجب علی المکلّف المستطیع، والمانع عن فعلیّۀ هذا الوجوب هو الحرج، فهل یرتفع
الحرج بالقطع بإنشاء وجوب الحج؟ کلّا، لا یرتفع، وکذا کلّ ما فرض مانعاً غیر الجهل بالحکم. وإنْ کان الجهل به، فإنّ ارتفاع هذا
المانع بالقطع یستلزم التصویب، إذ سیکون الحکم مقیّداً بالعلم، وتقیّده بالعلم واختصاصه بالعالمین باطل.
فسقط دفاع المحقق الإیروانی وبقی الإشکال علی حاله.
ص: 184
هل تجب الموافقۀ الالتزامیۀ …؟ ص: 184
صفحۀ 104 من 204
اشارة
قد تقدّم أنّ الإنسان لا یخلو من احدي حالات، هی العلم والظن والشکّ، وحصول العلم له فی کلّ موردٍ توفّرت فیه شروط العلم
ومقدماته من الضروریّات، لکنّ حصوله له لا یلازم تصدیقه به وانقیاده له وترتیبه الأثر علیه، فکم من موردٍ یتحقّق فیه العلم للإنسان
ولا یرتّب الأثر علی علمه لسببٍ من الأسباب.
ولمّا تقرّر کون القطع منجّزاً للتکلیف، وأنّ علی المکلّف أن یتحرّك نحو الامتثال وتحقیق المأمور به خارجاً وحصول الموافقۀ
العملیّۀ، وقع البحث بینهم فی وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ أیضاً وعدم وجوبها.
وبعبارةٍ اخري: هل هناك تکلیف جوانجی بالإضافۀ إلی التکلیف الجوارحی أوْلا؟
تحریر محلّ البحث … ص: 184
إنه لیس المراد من وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ هو العلم بالتکلیف، ولا الرضا بجعله، ولا العزم علی العمل والامتثال، ولا قصد القربۀ، مع
کونه مختصّاً بالعبادات والبحث أعم منها ومن التوصّلیات.
بل المراد من الموافقۀ الالتزامیّۀ للتکلیف الشرعی: أنْ یعقد القلب علیه وینقاد بالنسبۀ إلیه، کما هو الحال فی الامور الاعتقادیۀ.
ص: 185
إنه لا ریب فی أنّ الالتزام القلبی- بالإضافۀ إلی العمل- یوجب القرب من المولی وارتقاء درجۀ العبد عنده، لکنّ الکلام فی استحقاق
العقاب علی عدم الالتزام، فهل یجب الالتزام القلبی؟ وهل یحرم ترکه؟
هل یوجد فرق بین وجوب الموافقۀ وحرمۀ المخالفۀ …؟ ص: 185
القول بالتفصیل، فقال بعدم وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ، لکن المخالفۀ محرّمۀ. «1» قد نسب إلی المحقق المشکینی
الأدلّۀ فی المسألۀ … ص: 185
قال المحقق النائینی:
ربما یقال بتأثیر العلم الإجمالی فی دوران الأمر بین المحذورین من جهۀ الالتزام، حیث أن فی الأخذ بالفعل أو الترك من دون الالتزام
بالوجوب أو الحرمۀ، مخالفۀ للتکلیف المعلوم إجمالًا التزاماً.
وأنت خبیر بفساد هذا القول، فإن المراد من الموافقۀ الالتزامیّۀ…
إنْ کان هو التصدیق والتدیّن بما جاء به النّبی صلّی اللَّه علیه وآله من الأحکام الفرعیّۀ، فمرجع ذلک إلی تصدیق نبوّته وأن ما جاء به
فهو من عند اللَّه، وهو لا یستلزم الالتزام بکلّ واحدٍ واحدٍ من الأحکام تفصیلًا.
وإنْ کان المراد منها هو الالتزام بکلّ واحدٍ واحدٍ من الأحکام علی التفصیل.
فإنْ أراد القائل بلزومه حرمۀ التشریع والالتزام بخلاف الحکم الواقعی مسنداً له إلی الشارع، فهو حق، لکنه أجنبی عن لزوم الالتزام
بکلّ حکم علی التفصیل.
__________________________________________________
.27 / 1) حاشیۀ الکفایۀ 2 )
ص: 186
صفحۀ 105 من 204
وإنْ أراد لزومه بنفسه، بحیث یکون لکلّ واجب مثلًا إطاعتان ومعصیتان، إحداهما: من حیث العمل، والاخري: من حیث الالتزام، فلا
دلیل علیه لا عقلًا ولا نقلًا.
وإنْ کان المراد من لزومها، هو وجوب الإتیان بالعبادات بقصد التعبّد والامتثال، بأنْ یؤتی بها بداعی الأمر مثلًا، فهو وإنْ کان حقّاً،
إلّاأنه أجنبی عن محلّ الکلام أیضاً.
.«1 …» وبالجملۀ، لا دلیل علی لزوم الموافقۀ الالتزامیّۀ، بالمعنی الذي یکون مربوطاً بالمقام
وجاء فی الکفایۀ:
هل تنجز التکلیف بالقطع- کما یقتضی موافقته عملًا- یقتضی موافقته التزاماً والتسلیم له اعتقاداً وانقیاداً، کما هو اللّازم فی الاصول
الدینیّۀ والامور الاعتقادیّۀ، بحیث کان له امتثالان وطاعتان، احداهما: بحسب القلب والجنان، والاخري: بحسب العمل بالأرکان،
فیستحق العقوبۀ علی عدم الموافقۀ التزاماً ولو مع الموافقۀ عملًا، أو لا یقتضی، فلا یستحق العقوبۀ علیه، بل إنما یستحقها علی المخالفۀ
العملیّۀ؟
الحق: هو الثانی، لشهادة الوجدان الحاکم فی باب الإطاعۀ والعصیان بذلک واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سیّده
إلّاالمثوبۀ دون العقوبۀ ولو لم یکن متسلّماً وملتزماً به ومعتقداً ومنقاداً له، وإنْ کان ذلک یوجب تنقیصه وانحطاط درجته لدي سیّده،
لعدم اتّصافه بما یلیق أنْ یتّصف العبد به من الاعتقاد
__________________________________________________
.95 / 1) أجود التقریرات 3 )
ص: 187
.«1» بأحکام مولاه والانقیاد لها، وهذا غیر استحقاق العقوبۀ علی مخالفته لأمره أو نهیه التزاماً مع موافقته عملًا
وقال السید الخوئی:
التحقیق: عدم وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ، إذ لم یدل علیه دلیل من الشرع ولا من العقل. أمّا الأدلّۀ الشرعیۀ، فظاهرها البعث نحو العمل
والإتیان به خارجاً، لا الالتزام به قلباً. وأمّا العقل، فلا یدلّ علی أزید من وجوب امتثال أمر المولی، فلیس هناك ما یدلّ علی لزوم
.«2» الالتزام قلباً
أقول:
وعلی الجملۀ، فإنه إذا قام الدلیل علی التکلیف وثبت، فإنّ العقل حاکم بلزوم إطاعۀ المولی بامتثال التکلیف الوجوبی أو التحریمی،
أمّا أن یأمر بالالتزام القلبی أیضاً، فلا دلیل علیه.
وبعبارة اخري: إن العقل یحرك العبد المکلّف نحو امتثال متعلّق التکلیف، ولا یتجاوز بعثه وتحریکه دائرة المتعلّق، بأن یبعث إلی
شیء زائد عنه، بل إنه یرید من المکلّف الإتیان بالمتعلّق فحسب.
هذا بالنسبۀ إلی الحکم العقلی.
یشتمل علی مادّة وهیئۀ، أمّا المادّة، فهی الصّلاة، « صلّ » وأمّا الحکم الشرعی، فإنه لمّا جاء الخطاب بال ّ ص لاة مثلًا وأمر بها المولی، فإن
وأمّا الهیئۀ، فمدلولها البعث والطلب أو اعتبار اللابّدیۀ، فلا دلیل من الخطاب الشرعی بالصّلاة- لا مادةً
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 268 )
.52 / 2) مصباح الاصول 2 )
ص: 188
صفحۀ 106 من 204
ولا هیئۀ- علی وجوب الموافقۀ.
وأمّا أن یکون هناك دلیلٌ من خارج الخطاب الشرعی بوجوب ال ّ ص لاة، یدلّ علی وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ مضافاً إلی ال ّ ص لاة، فلا
یوجد هکذا دلیل.
نعم، توجد روایات کثیرة فی وجوب التصدیق والإقرار بما جاء به النبیّ صلّی اللَّه علیه وآله، کقوله علیه السّلام- فی جواب السؤال
.«1 …» « والإقرار بما جاء به من عند اللَّه » :-… عمّا بنیت علیه دعائم الإسلام
ولکنْ فی دلالتها علی المدّعی بحث، کما لا یخفی.
وقد یقال: بأنّ هذه النصوص ناظرة إلی اصول الدین أو منصرفۀ إلیها.
النبیّ، سواء فی الاصول أو « الإقرار بما جاء به » ولکنّ هذا غیر واضح، والعهدة فی إثباته علی مدّعیه، لأنّ النصوص مطلقۀ وعبارتها
الفروع، وما هو منشأ الإنصراف؟
بدلالتها علی وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ، لکنْ یکفی الموافقۀ إجمالًا. :«2» وقد یقال
وفیه: إن کانت دالّۀً علی الوجوب، فمقتضی القاعدة انحلالها علی کلّ واحدٍ واحدٍ ممّا جاء به النبی صلّی اللَّه علیه وآله، فهو إطلاق
شمولی، فالقول بالالتزام الإجمالی فی غیر محلّه.
فإنْ قلت: القول بوجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ مخالف للمشهور.
قلنا: هذا المشهور لیس مشهور القدماء بل المتأخرین، ومخالفتهم لا تضرّ،
__________________________________________________
. 22 و 38 - 19 و 21 / 1) الکافی 2 )
. 2) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 54 )
ص: 189
هذا أوّلًا.
وثانیاً: إعراض المشهور وإن کان موهناً عندنا، لکنْ عن السّند لا الدلالۀ، وما نحن فیه من قبیل الثانی لا الأوّل.
أمر آخر. فتدبّر. « الالتزام » أمر و « الإقرار » هذا کلّه، أللهم إلّاأن یقال بأن
ثمرة البحث ووجه الحاجۀ إلیه … ص: 189
نحتاج إلی هذا البحث من جهتین:
جهۀ فقهیّۀ، وهی وجوب وعدم وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ، وحرمۀ وعدم حرمۀ المخالفۀ الإلتزامیّۀ.
وجهۀ اصولیّۀ، وهی: أنه علی القول بوجوبها، لا مجال لإجراء الاصول العملیّۀ. مثلًا: لو دار الأمر بین المحذورین، فهل تجري الاصول
العملیّۀ؟ فیه خمسۀ أقوال، أحدها: جریان أصالۀ البراءة عن الوجوب والحرمۀ معاً، فبناءً علی وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ، لا یمکن جریان
الأصل فی الطرفین، ویسقط هذا القول فی تلک المسألۀ.
إنه بناءً علی وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ، لابدّ من القول بها فی التعبدیّات والتوصلیّات معاً، ولکنْ بالنظر :«1» وقال المحقق الإصفهانی
إلی المانعیّۀ عن جریان الاصول، فلا مورد للبحث فی التعبدیّات، إذ مع عدم الموافقۀ الإلتزامیّۀ یزول قصد القربۀ، لأنْ قصد القربۀ غیر
الموافقۀ الإلتزامیّۀ کما تقدّم، لکنّهما فی التعبدیّات متلازمان.
والحاصل: أنه بین التعبدیّات والتوصلیّات من جهۀ المانعیّۀ عن جریان
__________________________________________________
صفحۀ 107 من 204
.78 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 190
الاصول فرق، فإذا دار الأمر بین المحذورین فی الواقعۀ الواحدة وکانا توصّ لیین، حصلت المخالفۀ الإلتزامیّۀ، وأمّا العملیّۀ فلا، لأنه إمّا
فاعل وإمّا تارك. أمّا فی التعبدیّات، فتحصل المخالفۀ العملیّۀ أیضاً، فإنه یمکن الإتیان بالعمل بدون قصد القربۀ، فإن کان واجباً لم
یمتثل وإن کان حراماً فقد خولف بالإتیان … فهذا الفرق بین القسمین- التوصلیّات والتعبدیّات- موجود بلا إشکال.
جریان الاصول العملیّۀ وعدم جریانها … ص: 190
وهذا تفصیل الکلام فی ذلک، علی القول بوجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ، وأنّه یمنع من جریان الاصول العملیّۀ أو لا یمنع؟
أمّا إذا لزم من جریانها المخالفۀ العملیّۀ، فلا إشکال فی عدم جریانها.
فنقول:
الشبهۀ تارة: حکمیّۀ کلیّۀ، کصلاة الجمعۀ، إذا دار حکمها بین الوجوب والحرمۀ.
واخري: موضوعیّۀ، وهی:
تارة: فی العمل الواحد، کالمرأة المحلوف علی وطیها أو ترك وطیها.
واخري: فی موضوعین، کما لو ارید إجراء قاعدة الفراغ فی ال ّ ص لاة واستصحاب بقاء الحدث، فإنه إن کان محدثاً فال ّ ص لاة التی فرغ
منها باطلۀ، وإنْ کان علی طهارة فلا حدث بالنسبۀ إلی الصّلاة المتأخرة.
تحریر محلّ الکلام … ص: 190
فهل یجري الأصل فی هذه الموارد مع القول بوجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ؟
أمّا علی القول بأنْ لا مقتضی لجریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی، کما
ص: 191
علیه الشیخ، فلا مجال لهذا البحث أصلًا، لأنه مع عدم المقتضی لا تصل النوبۀ إلی البحث عن المانع.
فالبحث عن مانعیّۀ وجوب الموافقۀ، مبنی علی القول بوجود المقتضی لجریان الأصل فی أطراف الشبهۀ. هذا من جهۀ.
ومن جهۀ اخري: إنه لابدّ من أنْ یکون للأصل موضوع یقتضی جریانه وإلّا فلا تصل النوبۀ إلی البحث عن مانعیۀ وجوب الموافقۀ.
مثلًا: إذا دار الأمر بین الوجوب والحرمۀ، فلا مقتضی لجریان أصالۀ الأباحۀ، لعدم الشک فی عدمها، فلا موضوع لهذا الأصل حتی
یقال: هل وجوب الالتزام یمنع عن جریان أصالۀ الإباحۀ فی مورد دوران الأمر بین المحذورین أوْلا؟
فتلخص: إن البحث یبتنی علی القول بوجود المقتضی لجریان الأصل فی أطراف الشبهۀ، وعلی أنْ یکون للأصل موضوع حتی یبحث
عن جریانه وعدم جریانه فی المورد.
وحینئذٍ نقول- مثلًا-: لو توضّأ بماء مردد بین الطّاهر والمتنجّس، فهل یجري الأصل فی الطرفین مع العلم الإجمالی بأحد الحکمین.
ولو صلّی وفرغ ثم شکّ فی طهارته جري استصحاب الحدث وجرت قاعدة الفراغ مع العلم بمخالفۀ أحدهما للواقع؟
وجه عدم الجریان … ص: 191
یمکن تقریب مانعیّۀ الموافقۀ الالتزامیّۀ عن جریان الاصول فی أطراف العلم بما حاصله: إنه إذا وجب الالتزام القلبی بالحکم الواقعی
الموجود فی البین لا یجتمع مع جریان الأصل الموجب للحکم المنافی له عملًا، وإلّا یلزم الالتزام
صفحۀ 108 من 204
ص: 192
بالمتنافیین.
وإنْ شئت فقل: إنّ بإجراء الأصل فی جمیع الأطراف ینتفی موضوع وجوب الالتزام، مع کونه محقّقاً علی وجه الإجمال، ویکون
ترخیصاً فی المخالفۀ، ولا فرق فی تحقق المخالفۀ الممنوعۀ، بأنْ تکون مخالفۀً لفعل خارجی أو أمرٍ قلبیّ باطنی.
وجه الجریان … ص: 192
وقد ذکر لعدم مانعیّۀ وجوب الموافقۀ الالتزامیۀ عن جریان الاصول وجوه:
الأوّل: ما جاء فی الکفایۀ … ص: 192
اشارة
منها: ما قاله صاحب الکفایۀ من: أنّ استقلال العقل بالمحذور فیه إنّما یکون فیما إذا لم یکن هناك ترخیص فی الإقدام والإقتحام فی
.«1» الأطراف، ومعه لا محذور فیه بل ولا فی الإلتزام بحکمٍ آخر
وتوضیحه:
إن دلیل وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ قاصر عن الشمول للمورد الذي وجد فیه أصلٌ من ناحیۀ الشارع علی الخلاف، فإذا قائم الأصل من
ناحیته مؤمّناً للمکلّف، فلا وجوب، لأنّ العقل لا یستقل بوجوبها فی موردٍ لا یریدها الشارع من المکلّف، والأدلۀ النقلیّۀ التی استدلّ بها
للوجوب لا یعمّ إطلاقها مثل هذا المورد.
الإشکال علیه … ص: 192
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 269 )
ص: 193
إلّا أنه یمکن الجواب، بأنّ الدلیل القائم عقلًا ونقلًا علی وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ قائم علی الحکم الواقعی الإلهی، والأصل القائم فی
المورد حکم ظاهري، ولا منافاة بین الحکم الواقعی والظاهري.
الثانی: ما ذکره الشیخ … ص: 193
اشارة
ومنها: إنّ وجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ إنما هو فی مورد الحکم، فلابدّ من وجود الحکم حتی تجب الموافقۀ علیه التزاماً، والأصل العملی
.«1» الجاري فی المورد یرفع الحکم، فلا یبقی موضوع لوجوب الموافقۀ. وهذا ما یستفاد من کلام الشیخ
إشکال المحقق الخراسانی … ص: 193
وقد أشکل علیه فی الکفایۀ بأنه یستلزم الدور، لأن جریان الأصل موقوف علی عدم المانع، وهو عبارة عن عدم وجوب الموافقۀ، لأنّ
صفحۀ 109 من 204
عدم المانع متقدّم رتبۀً علی الممنوع، لأنه من أجزاء العلۀ، وهی مقدّمۀ علی المعلول أيالممنوع.
.«2» لکنّ عدم المانع متوقف علی جریان الأصل. وهذا دور
دفاع المحقق الإصفهانی … ص: 193
وقد دافع المحقق الإصفهانی وأجاب عن إشکال الدور بقوله:
ویندفع الدور: بأن مفاد الأصل بنفسه رفع الحکم من الوجوب أو الحرمۀ، لا أنه یتوقف علی رفعه.
ولیس لازم رفع الحکم الإذن فی المخالفۀ الإلتزامیّۀ المحرّمۀ فإنها لا تحرم،
__________________________________________________
.84 / 1) فرائد الاصول 1 )
. 2) کفایۀ الاصول: 268 )
ص: 194
بل لا تتحقّق إلا مع ثبوت الحکم ولا مانعیّۀ لحرمۀ المخالفۀ الالتزامیّۀ أو قبح الإذن فیها إلّاعلی تقدیر ثبوت موضوعها، وما لا مانعیّۀ له
إلّاعلی تقدیر ثبوت موضوعه کیف یمنع عن رفع موضوعه؟
فإن قلت: هذا بالإضافۀ إلی الحکم الفعلی، فإنه مرفوع بالأصل، وأمّا الحکم الواقعی، فلو وجب الالتزام بالحکم الواقعی المعلوم
بالإجمال مع ثبوته حتی مع جریان الأصل یلزم من جریانه الإذن فی المخالفۀ الالتزامیّۀ.
قلت:
أوّلًا: لا نسلّم حرمۀ المخالفۀ الإلتزامیّۀ للواقعی المحکوم بعدمه تنزیلًا، ومفاد الأصل رفعه تنزیلًا، فلا یمنع إلا حرمۀ المخالفۀ الإلتزامیّۀ
لما له ثبوت ولم یکن منفیّاً ولو تنزیلًا.
وثانیاً: حیث إن مفاد الأصل رفع الوجوب الفعلی أو الحرمۀ الفعلیّۀ، فلازمه عدم الالتزام بالوجوب الفعلی أو الحرمۀ الفعلیّۀ، لا عدم
الالتزام بالوجوب الواقعی أو الحرمۀ الواقعیۀ حتی یکون بلحاظ هذا اللّازم قبیحاً.
فی عدمها بلحاظ عدم الموضوع لوجوب الموافقۀ الالتزامیّۀ. « قدس سره » لکنه یناسب ما سلکناه فی عدم المانعیّۀ، لا ما سلکه
وبناء علی هذا الجواب، لا حاجۀ إلی قصر وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ علی الحکم الفعلی الذي لم یرفع تنزیلًا، بل یجتمع مع وجوب
.«1» الالتزام بکلّ ما ثبت من الشارع علی حسب مرتبته من الثبوت، فتدبّر
وتوضیحه:
__________________________________________________
.84 -83 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 195
وإذا جري الأصل انتفی ،« الوجوب » أي « الحکم » إن مانعیّۀ وجوب الالتزام القلبی أیضاً موقوف علی تحقق موضوعه، والموضوع هو
الوجوب، وحیث لا موضوع، فلا یمکن للموافقۀ الإلتزامیّۀ المانعیّۀ عن جریان الأصل.
وعلی الجملۀ، فإنه فی مثل الوضوء بالماء المردّد بین الطهارة والنجاسۀ، بناءً علی وجوب الموافقۀ الإلتزامیّۀ، یرتفع هذا الوجوب بقوله
علیه وآله السلام:
فمع جریان البراءة لا یبقی وجوب، فلا موضوع للموافقۀ. ،«1» « رفع ما لا یعلمون »
وهذا مقصود الشیخ، ولا یرد علیه الإشکال المزبور.
صفحۀ 110 من 204
الردّ علیه … ص: 195
لکنْ یرد علیه- کما أشار إلیه هو فی طیّ کلامه-: إنّ الأصل الرافع للحکم أصل تنزیلی، أيهو حکم ظاهري، فهو یقول: إن هذا
الأصل التنزیلی یرفع جمیع آثار الحکم المرفوع ومنها وجوب الموافقۀ الإلتزامیۀ، لکنّ المعلوم بالإجمال الموجود فی البین فی الشبهۀ
المقرونۀ بالعلم الإجمالی کما فی المثال، وفی دوران الأمر فی المرأة المحلوف علی وطیها أو ترکه، هو الملتزم به قلباً، ولا أصل
یرفعه، ووجوده یمنع من جریان الأصل فی الأطراف.
وتلخص: عدم تمامیّۀ هذا الجواب.
الجواب الصحیح … ص: 195
__________________________________________________
. 369 ، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 15 )
ص: 196
بل الجواب الصحیح ما ذکره الشیخ نفسه، وهو أنه لا تمانع بین الأصل وموضوع وجوب الموافقۀ القطعیّۀ، لأنّ الأصل إنما یجري فی
خصوص الوجوب وفی خصوص الحرمۀ، ولکنْ لا یجب الإلتزام بخصوصهما، بل الملتزم به هو الجامع بینهما الموجود فی البین، وهذا
لا یرتفع بالأصل، فالذي یرتفع بالأصل لا تجب الموافقۀ معه، والذي تجب الموافقۀ معه لا یرتفع بالأصل … وإذْ لا تمانع بینهما. فلا
دور.
ص: 197
قطع القطّاع … ص: 197
اشارة
بعد أنْ ثبت حجیّۀ القطع ولزوم ترتیب الأثر علیه عقلًا، فهل حکمه بذلک مطلق أو أنه مقیّد بما إذا حصل القطع بنحوٍ متعارف ومن
سببٍ ینبغی حصوله منه، أو القطع الحاصل من السبب غیر المتعارف حصوله منه، کما هو الحال فی القطّاع؟
قول کاشف الغطاء بعدم حجیّۀ قطع القطّاع … ص: 197
قال الشّیخ قدّس سرّه:
قدّس سرّه بعد الحکم «1» قد اشتهر فی ألسنۀ المعاصرین أنّ قطع القطّاع لا اعتبار به، ولعلّ الأصل فی ذلک ما صرّح به کاشف الغطاء
بأنّ کثیر الشک لا اعتبار بشکّه، قال: وکذا من خرج عن العادة فی قطعه أو ظنّه فیلغو اعتبارهما فی حقّه.
قال الشّیخ:
ثم إنّ بعض المعاصرین وجّه الحکم بعدم اعتبار قطع القطّاع- بعد تقییده بما إذا علم القطّاع أو احتمل أنْ یکون حجیّۀ قطعه مشروطۀ
بعدم کونه قطّاعاً- بأنه یشترط فی حجیّۀ القطع عدم منع الشارع عنه، وإنْ کان العقل أیضاً قد یقطع بعدم المنع إلّاأنه إذا احتمل المنع
یحکم. بحجیّۀ القطع ظاهراً ما لم یثبت المنع.
__________________________________________________
صفحۀ 111 من 204
. 1) کشف الغطاء: 64 )
ص: 198
مناقشۀ الشّیخ … ص: 198
وقد ناقش الشیخ القول المذکور بأنه:
إنْ ارید بعدم اعتباره عدم اعتباره فی مورد یکون القطع موضوعاً للحکم فلا بأس به، لانصراف القطع المأخوذ فی الموضوع إلی
الحاصل من الأسباب التی یتعارف حصول القطع منها، نظیر انصراف الظن والشک فی موارد أخذهما فی الموضوع إلی المتعارف
منهما.
وإن ارید نفی اعتباره فی مقام یکون القطع طریقیاً، فإن ارید نفی إجزاء ما قطع به عن الواقع لو انکشف الخلاف، فهو حق أیضاً، لکنه
لا یختص بقطع القطاع، بل یعم غیره، لعدم إجزاء الأمر التخیّلی- کما حقق فی مبحث الإجزاء- وإن ارید وجوب ردعه عن قطعه
ورفعه عنه وتنبیهه علی مرضه أو یقال له: إن اللَّه لا یرید منک الواقع إذا کان غافلًا عن القطع بحیث تلتبس علیه المغالطۀ، فهو حق
أیضاً فی موارد القطع بخلاف الواقع، مما یرتبط بالنفوس والأعراض والأموال التی تجب المحافظۀ علیها، لکنه لا یختص بقطع القطّاع
بل یعم مطلق القطع المخالف للواقع ولو کان متعارفاً.
وإن ارید أنه حال العلم بحکم الشاك، فهو ممنوع، إذ القاطع بالحکم لا یمکن إرجاعه إلی أحکام الشک من الاصول العملیّۀ لعدم
.«1» شمولها له، فنفی حجیّۀ قطعه یعنی ترکه متحیّراً متخبّطاً لا یعرف ما یقوم به
__________________________________________________
.67 -65 / 1) فرائد الاصول 1 )
ص: 199
مناقشۀ المحقق الخراسانی … ص: 199
وقال المحقق الخراسانی:
لا تفاوت فی نظر العقل أصلًا فیما یترتب علی القطع من الآثار عقلًا، بین أنْ یکون حاصلًا بنحو متعارف ومن سببٍ ینبغی حصوله منه،
أو غیر متعارف لا ینبغی حصوله منه کما هو الحال غالباً فی القطّاع … وبالجملۀ، القطع فیما کان موضوعاً عقلًا، لا یتفاوت من حیث
القاطع ولا من حیث المورد ولا من حیث السّبب. لا عقلًا- وهو واضح- ولا شرعاً، لما عرفت من أنه لا تناله ید الجعل نفیاً ولا إثباتاً…
.«1»
مناقشۀ المحقق النائینی … ص: 199
وقال المحقق النائینی:
حکی عن الشیخ الکبیر عدم اعتبار قطع القطّاع.
وهو بظاهره فاسد، فإنّه إن أراد من قطع القطاع القطع الطریقی الذي لم یؤخذ فی موضوع الدلیل، فهو مما لا یفرق فیه بین القطاع
وغیره، لعدم اختلاف الأشخاص والأسباب والموارد فی نظر العقل فی طریقیّۀ القطع وکونه منجّزاً للواقع عند المصادفۀ وعذراً عند
المخالفۀ.
وإن أراد القطع الموضوعی، فهو وإن کان له وجه، لأنّ العناوین التی تؤخذ فی ظاهر الدلیل تنصرف إلی ما هو المتعارف، من غیر
صفحۀ 112 من 204
فرق فی ذلک بین الشک والظن والقطع، فالشک المأخوذ فی باب الرکعات ینصرف إلی ما هو المتعارف،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 269 )
ص: 200
غایته أنّه لو لم یرد ذلک کان شک کثیر ،« لا شک لکثیر الشک » ولا عبرة بشک کثیر الشک ولو فرض أنّه لم یرد قوله علیه السّلام
الشک مبطلًا لل ّ ص لاة ولو تعلّق فی الأخیرتین، لأنّه لا یندرج فی أدلۀ البناء علی الأکثر، فلا یکون له طریق إلی إتمام الصلاة، فتبطل؛
یلزمه البناء علی الأقل أو الأکثر، أيهو فی الخیار بین ذلک. « لا شک لکثیر الشک » ولکن بعد ورود قوله علیه السّلام
وکذا الحال فی الظن الذي اخذ موضوعاً فی عدد الرکعات، فإنّه أیضاً ینصرف إلی المتعارف ولا یعمّ کثیر الظن، فیکون حکم ظن
کثیر الظن حکم الشک.
وکذا الحال فی القطع المأخوذ موضوعاً ینصرف إلی المتعارف ولا یعم قطع القطاع، إلّاأنّ الشأن فی إمکان التفات القاطع حال قطعه
إلی أنّه قطاع، فإنّه یمکن أن یقال بعدم التفاته إلی ذلک.
نعم: تظهر الثمرة بالنسبۀ إلی غیر القاطع، کما لو فرض أنّ الحاکم علم أنّ الشاهد قطاع، فیمکن أن یقال بعدم قبول شهادته؛ ولکن
هو عدم اعتبار قطع القطاع فی القطع الطریقی المحض؛ وقد عرفت أنّ ذلک مما لا سبیل إلیه. « الشیخ الکبیر » المحکی عن
قول المحقّق العراقی بعدم الحجیّۀ فی المعذوریّۀ … ص: 200
وذهب المحقق العراقی إلی أنّه إذا کان کلام الشیخ الکبیر ناظراً إلی جهۀ معذوریّۀ القطع، بأنّ العقل لا یعتبر قطع القطّاع معذراً له،
.«1» فالحقّ معه، ولا یندفع بما ذکروه جواباً عنه
__________________________________________________
64 ، الهامش. / 1) فوائد الاصول 3 )
ص: 201
وجاء فی تقریر بحثه ما نصّه بعد کلامٍ له:
ولعلّه إلی ما ذکرنا نظر القائل بعدم اعتبار قطع القطّ اع، فیراد من ذلک عدم اعتباره فی مقام العذریّۀ، ولو بملاحظۀ تقصیره فی
مقدّمات قطعه من الأوّل، الناشئ من جهۀ قلّۀ مبالاته وعدم تدبّره الموجب لخروجه بذلک عمّا علیه متعارف الناس من الاستقامۀ إلی
الإعوجاج فی السلیقۀ، بنحو یحصل له القطع من کلّ شیء ممّا لا یکون مثله سبباً عادیّاً لحصول الظن بل الشکّ لمتعارف الناس، لا
عدم اعتباره فی مقام المنجزیّۀ ومرحلۀ إثبات التکلیف والاشتغال به.
.«1 …» بل ویمکن أن یحمل علیه أیضاً مقالۀ الأخباریین
موافقۀ السید الاستاذ للمحقّق العراقی … ص: 201
ووافقه سیّدنا الاستاذ قدّس سرّه، إذ قال:
وأمّا مناقشۀ الشیخ، فیمکن أن یقال فی دفعها:
أولًا: بالنقض بمورد الجاهل المرکّب المقصر، فإنه فی حال علمه لا یمکن ثبوت احکام الشک له، ولکنه لا یکون معذوراً فی مخالفته
للواقع مع أنه قاطع.
وثانیاً: بأنه وإن سلّم أن القاطع فی حال قطعه لا یمکن إرجاعه إلی أحکام غیر القاطع بما هی أحکام لغیر القاطع، لکننا یمکننا أن
صفحۀ 113 من 204
ندّعی هذا القاطع لا یکون معذوراً لو خالف قطعه الواقع، وهذا هو المراد من نفی حجیّۀ قطعه.
بیان ذلک: إن حجیّۀ القطع ترجع إلی وجوب متابعته ومنجزیّته للواقع لو صادفه، ومعذریّته لو خالف قطعه الواقع.
فالذي ندّعیه: إن العقل لا یحکم بمعذریۀ قطع القطاع لو خالف الواقع.
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 44 )
ص: 202
وهذا لا محذور فیه أصلًا، ولا یتنافی مع لزوم متابعۀ القطع الحاصل بنظر القاطع.
وعلیه، فیکون الکلام فی أن الحکم العقلی بمعذریۀ القطع وعدم استحقاق العقاب علی مخالفۀ الواقع الذي تعلّق القطع بخلافه، هل هو
ثابت لجمیع أفراد القطع أم إنه ثابت لبعض الأفراد دون بعض؟
ولا یخفی أن التشکیک فی ذلک یکفی فی عدم ثبوت المعذریّۀ ولا نحتاج إلی إثبات العدم، وإنما الذي یحتاج إلی الإثبات هو
القول بالحجیّۀ.
ولکن الإنصاف عند ملاحظۀ حال العقلاء ومعاملاتهم فیما بینهم ومع عبیدهم- التی هی الطریق لتشخیص أصل حجیّۀ القطع فی
الجملۀ- هو عدم معذوریّۀ القاطع إذا کان قطعه من غیر طریق متعارف، فمن أمر وکیله بشراء حاجۀٍ له بالقیمۀ السّوقیۀ، فاشتراها الوکیل
بأزید منها استناداً إلی قطعه بأن الثمن یساوي القیمۀ السوقیۀ، لکنه ملتفت إلی أن قطعه غیر ناش عن سبب متعارف، فللموکّل أن لا
یعذر وکیله ویعاتبه کما لا یخفی.
ولیس هذا أمراً بعیداً بعد التزام الفقهاء بمعاقبۀ الجاهل المرکّب المق ّ ص ر فی اصوله وفروعه، ولیس ذلک إلا لعدم کون قطعه معذراً،
بعد تقصیره فی المقدّمات التی تسبب القطع.
وبعد التزام الشیخ بأن التقصیر المسبب للنسیان یمکن أن یستلزم العقاب علی المنسی لولا حدیث الرفع الراجع إلی نفی وجوب
التحفظ، مع أنه لا حکم للناسی فی حال نسیانه، ولا یمکن مخاطبته بأحکام الملتفت.
وبالجملۀ: عدم إمکان إثبات حکم للقاطع ینافی ما قطع به فی حال قطعه، لا یتنافی مع عدم حجیّۀ القطع، بمعنی عدم کونه معذوراً لو
انکشف أن قطعه
ص: 203
مخالف للواقع، إذ عدم المعذوریۀ إنما یحکم به بعد زوال القطع، فلا محذور فیه.
ومن هنا یظهر: أنه یمکن تصحیح دعوي الأخباریین الراجعۀ إلی نفی حجیّۀ القطع- هذا مما احتمله الشیخ فی مراد الأخباریین، فراجع
صدر کلامه- بإرجاعها إلی نفی معذوریۀ القطع الحاصل من غیر الکتاب والسنّۀ، وهی دعوي لا بأس بها، إذ بعد ورود الروایات
الکثیرة الدالّۀ علی أن الدّین لا یصاب بالعقول، وکثرة وقوع الخطأ فی الأحکام إذا کانت مدرکۀ من طریق العقل، لا یحکم العقل
والعقلاء بمعذوریّۀ القاطع من غیر طریق الکتاب والسنّۀ، بل یعدّونه مق ّ ص راً فی المقدمات فیصح عقابه. وإن لم یمکن نفی وجوب
الإطاعۀ فی حال قطعه.
فالتفت وتدبر.
.«1» وإلی ما ذکرناه من نفی معذوریّۀ القطع أشار المحقق العراقی، کما فی نهایۀ الأفکار، فلاحظ
أقول:
لا یخفی أن الکلام هنا فی القاطع والسبب، دون المورد.
وأیضاً، فالکلام فی القطع الطریقی المحض، فلو کان القطع مأخوذاً فی موضوع الحکم الشرعی، فلا ریب فی جواز تقییده من قبل
صفحۀ 114 من 204
الحکم من الحیثیّات الثلاثۀ، لأنّه اعتبار من المولی، فله أن یجعل الموضوع مقیّداً من حیث القاطع بأنْ لا یکون قطّاعاً، وله أن یجعله
مطلقاً. ومن حیث السبب، له أنْ یقیّد السبب بأنْ یکون القطع حاصلًا من الکتاب والسنّۀ فقط مثلًا، وله أنْ لا یقیّد، أو یقیّد بأنْ
__________________________________________________
.119 -118 / 1) منتقی الاصول 4 )
ص: 204
لا یکون السبب غیر المقدّمۀ العقلیّۀ من الجفر والرّمل، أو لا یکون من غیر المستقلّات العقلیّۀ، وله أن یطلق.
والسبب فی طرح هذا البحث- کما عرفت- هو إلحاق الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمه اللَّه قطع القطّاع بشکّ کثیر الشک فی عدم
الاعتبار.
لکنّ الفرق بین القطع والشک واضح، لأن حجیّۀ القطع عقلیّۀ، إذ العقل یحکم بوجوب متابعۀ القطع ویراه منجّزاً ومعذّراً، وأمّا کاشفیّۀ
قطع القطّاع عن الواقع وإنْ لم تکن حاصلۀً، إلّاأنها موجودة عند القطّاع نفسه، فإنه عنده طریق إلی الواقع وکاشف عنه.
وعلی الجملۀ: إنّ هذه أحکام عقلیّۀ، یرتّبها العقل علی القطع، سواء کان القاطع قطّاعاً أوْلا، ولولم یرتّبها یلزم تخلّف الحکم عن
موضوعه، وهو محال.
ص: 205
حجیّۀ القطع الحاصل من المقدّمات العقلیّۀ … ص: 205
تحریر محلّ النزاع … ص: 205
إنّ القطع من الحوادث، فله سبب، فهل یمکن تقییده بسببٍ خاصّ أوْلا؟
السّبب تارةً: هو المقدّمات الشرعیّۀ، الکتاب والسنّۀ. ولا کلام ولا خلاف فی حجیّۀ القطع الحاصل منهما. واخري: هو غیر المقدّمات
الشرعیّۀ، وهی تارةً:
غیر عقلیّۀ أیضاً، کما لو حصل القطع بالحکم الشرعی من الرمل والجفر ونحوهما، واخري: عقلیّۀ.
والمقدّمات العقلیّۀ تارةً: مستقلّۀ، کقاعدة قبح العقاب بلا بیان، واخري:
غیر مستقلّۀ، وهو عبارة عن الحکم العقلی فی المورد الشرعی، مثل حکم العقل بالملازمۀ بین وجوب المقدّمۀ ووجوب ذیها، فإنه
حکم عقلی متفرّع علی حکمٍ شرعی.
فلو حصل القطع بالحکم الشرعی من المقدّمات العقلیۀ المستقلّۀ، کحکمه بعدم اجتماع الأمر والنهی مثلًا أو غیر المستقلّۀ، کوجوب
الإطاعۀ علی المبنی، فهل هذا القطع حجّۀ، أوْ لابدّ من تقیید القطع بالحاصل من غیر هذه المقدّمات؟
حول قول بعض الأخباریین بعدم الحجیّۀ … ص: 205
وکما ذهب الشیخ الکبیر کاشف الغطاء إلی عدم اعتبار القطع الحاصل من الأسباب غیر المتعارفۀ العقلائیّۀ، وظهر عدم تمامیّۀ ما ذهب
إلیه، فقد نُسب إلی
ص: 206
بعض الأخباریّین القول بعدم اعتبار القطع بالحکم الشرعی الحاصل من غیر الأدلّۀ السمعیّۀ، أيالمقدّمات العقلیّۀ.
قال الشیخ:
صفحۀ 115 من 204
ینسب إلی غیر واحدٍ من أصحابنا الأخباریین عدم الاعتماد علی القطع الحاصل من المقدّمات العقلیّۀ القطعیّۀ غیر الضروریّۀ، لکثرة
.«1» وقوع الاشتباه والغلط فیها، فلا یمکن الرکون إلی شیء منها
وقال صاحب الکفایۀ:
نسب إلی بعض الأخباریین أنه لا اعتبار بما إذا کان بمقدمات عقلیۀ، إلّاأن مراجعۀ کلماتهم لا تساعد علی هذه النسبۀ، بل تشهد
بکذبها، وأنها إنما تکون إمّا فی مقام منع الملازمۀ بین حکم العقل بوجوب شیء وحکم الشرع بوجوبه، کما ینادي به بأعلی صوته ما
حکی عن السیّد الصدر فی باب الملازمۀ، وإمّا فی مقام عدم جواز الاعتماد علی المقدمات العقلیۀ، لأنها لا تفید إلّاالظن، کما هو
صریح الشیخ المحدّث الأمین الاسترابادي…
وکیف کان، فلزوم اتّباع القطع مطلقاً وصحّۀ المؤاخذة علی مخالفته عند إصابته، وکذا ترتیب سائر آثاره علیه عقلًا، مما لا یکاد یخفی
.«2 …» علی عاقل فضلًا عن فاضل
__________________________________________________
.51 / 1) فرائد الاصول 1 )
. 2) کفایۀ الاصول: 270 )
ص: 207
کلام الأمین الاسترابادي … ص: 206
أقول:
والأولی نقل کلام المحدّث الاسترابادي لیتّضح الحال، فإنه قال:
الدلیل التاسع مبنیّ علی مقدّمۀ دقیقۀ شریفۀ تفطّنت لها بتوفیق اللَّه تعالی، وهی:
أنّ العلوم النظریّۀ قسمان:
قسمٌ ینتهی إلی مادّةٍ هی قریبۀ من الإحساس، ومن هذا القسم علم الهندسۀ والحساب وأکثر أبواب المنطق، وهذا القسم لا یقع فیه
الخلاف بین العلماء والخطأ فی نتائج الأفکار؛ والسبب فی ذلک أنّ الخطأ فی الفکر، إمّا من جهۀ الصّورة أو من جهۀ المادّة، والخطأ
من جهۀ الصّورة لا یقع من العلماء؛ لأنّ معرفۀ الصّورة من الامور الواضحۀ عند الأذهان المستقیمۀ، والخطأ من جهۀ المادّة لا یتصوّر
فی هذه العلوم؛ لقرب الموادّ فیها إلی الإحساس.
وقسمٌ ینتهی إلی مادّةٍ هی بعیدة عن الإحساس، ومن هذا القسم الحکمۀ الإلهیّۀ والطبیعیۀ وعلم الکلام وعلم اصول الفقه والمسائل
النظریۀ الفقهیّۀ وبعض القواعد المذکورة فی کتب المنطق؛ ومن ثمّ وقع الاختلافات والمشاجرات بین الفلاسفۀ فی الحکمۀ الإلهیّۀ
والطبیعیّۀ، وبین علماء الإسلام فی اصول الفقه والمسائل الفقهیّۀ وعلم الکلام، وغیر ذلک.
والسبب فی ذلک: أنّ القواعد المنطقیّۀ إنّما هی عاصمۀٌ من الخطأ من جهۀ الصّورة لا من جهۀ المادّة، ولیست فی المنطق قاعدةٌ بها
یُعلم أنّ کل مادّةٍ مخصوصۀٍ داخلۀٌ فی أيّ قسم من الأقسام، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدةٍ
ص: 208
تکفل بذلک.
قال:
فإن قلت: لا فرق فی ذلک بین العقلیّات والشرعیّات؛ والشاهد علی ذلک ما نشاهد من کثرة الاختلافات الواقعۀ بین أهل الشرع فی
اصول الدین وفی الفروع الفقهیّۀ.
صفحۀ 116 من 204
قلت: إنّما نشأ ذلک من ضمّ مقدّمۀٍ عقلیّۀ باطلۀ بالمقدّمۀ النقلیّۀ الظنیّۀ أو القطعیّۀ.
ومن الموضِ حات لما ذکرناه- من أنّه لیس فی المنطق قانونٌ یعصم عن الخطأ فی مادّة الفکر-: أنّ المشّ ائیین ادّعوا البداهۀ فی أنّ
تفریق ماء کوزٍ إلی کوزین إعدامٌ لشخصه وإحداثٌ لشخصین آخرین، وعلی هذه المقدّمۀ بنوا إثبات الهیولی، والإشراقیین ادّعوا
البداهۀ فی أنّه لیس إعداماً للشخص الأوّل وإنّما انعدمت صفۀٌ من صفاته، وهو الاتصال.
ثمّ قال:
إذا عرفت ما مهّدناه من الدقیقۀ الشریفۀ، فنقول:
انتهی کلامه. «1» ، إن تمسّکنا بکلامهم علیهم السّلام فقد عُصِمنا من الخطأ، وإن تمسّکنا بغیرهم لم نُعصم عنه
قال الشیخ:
والمستفاد من کلامه عدم حجیّۀ إدراکات العقل، فی غیر المحسوسات وما یکون مبادیه قریبۀً من الإحساس، إذا لم تتوافق علیها
العقول.
__________________________________________________
.131 - 1) الفوائد المدنیّۀ: 129 )
ص: 209
قال:
وقد استحسن ما ذکره غیر واحدٍ ممن تأخّر عنه:
منهم السیّد المحدّث الجزائري فی أوائل شرح التهذیب علی ما حکی عنه…
وممّن وافقهما علی ذلک فی الجملۀ: المحدّث البحرانی فی مقدّمات الحدائق…
.«1 …» وممّا یشیر إلی ما ذکرنا من قبل هؤلاء ما ذکره السید الصّدر فی شرح الوافیۀ فی جملۀ کلامٍ له
تکذیب ما نسب إلیهم … ص: 209
أقول:
وأنّ الخلاف منهم لیس فی کبري حجیّۀ الدلیل العقلی وإنما فی الصغري. ،«2» ولکنّ المحقق الخراسانی یري أن النسبۀ کاذبۀ
وهذا ما نصَّ علیه المحدّث النوري أیضاً، فقد قال فی جملۀ کلام له طویل:
إنّ ما نسب إلی أصحابنا الأخباریین من إنکارهم حجیّۀ القطع الحاصل من العقل، خلاف ما یظهر من کلماتهم. وقد اشتهرت هذه
النسبۀ فی عصرنا بین طبقات أهل العلم، والأصل فی هذا الاشتهار کلام الشیخ الأعظم الأنصاري…
قال:
ولکنّه معذور، لأنه لم یکن عنده کتاب الفوائد، وإنما نقله عن حاشیۀ فخر
__________________________________________________
.55 -54 / 1) فرائد الاصول 1 )
. 2) کفایۀ الاصول: 270 )
ص: 210
.«1» المحققین محمّد تقی الإصفهانی علی المعالم، وکذا ما نقله عن السیّد الجزائري کما لا یخفی علی من راجعهما
أقول:
صفحۀ 117 من 204
لکنّ عبارة الاسترابادي فی بدایۀ الفصل هی:
الفصل الثانی: فی بیان انحصار مدرك ما لیس من ضروریّات الدین من المسائل الشّرعیۀ، أصلیۀً کانت أو فرعیّۀ، فی السمّاع عن
.«2» الصادقین علیهم السلام
وعبارة صاحب الحدائق هی:
لا مدخل للعقل فی شیء من الأحکام الفقهیّۀ، من عبادات وغیرها، ولا سبیل إلیها إلّاالسّماع عن المعصوم علیه السلام، لقصور العقل
.«3» المذکور عن الاطّلاع علیها
فالظاهر أنّ الحق مع الشّیخ.
الأقوال فی المقام … ص: 210
وبالجملۀ، ففی المسألۀ قولان وتفصیلان:
القول الأوّل: ما ذهب إلیه الاصولیّون، من حجیۀ القطع مطلقاً، وأنّ الأحکام العقلیّۀ غیر قابلۀ للتخصیص من ناحیۀ الشّارع.
القول الثانی: رأي الأخباریین، فإنه وإنْ کان السیّد الصدر فی مقام نفی
__________________________________________________
.318 -303 / 1) مستدرك الوسائل 9 )
. 2) الفوائد المدنیۀ: 254 )
.131 / 3) الحدائق الناضرة 1 )
ص: 211
قاعدة الملازمۀ کما ذکر صاحب الکفایۀ، لکنّ کلمات الأمین وصاحب الحدائق ظاهرة فی عدم حجیّۀ القطع بالحکم الشرعی من
الدلیل العقلی.
دلیل الأخباریین … ص: 211
إنّ الصحیح- کما علیه الاصولیّون- هو أن الحکم الشّرعی یستنبط من المقدّمات المستعملۀ فی الاستلزامات العقلیّۀ مثل باب اجتماع
الأمر والنهی، والمقدمۀ وذي المقدمۀ، ومن قاعدة الملازمۀ…
وما یمکن أنْ یکون وجهاً للقول بعدم الجواز هو العقل والنقل.
الدّلیل الأوّل: العقل … ص: 211
إنّ کثرة وقوع الغلط والإشتباه فی المقدّمات العقلیّۀ أمرٌ لا ینکر، وقد ذکر الأمین الإسترابادي أنه لا یوجد عندنا میزان لتشخیص موادّ
القضایا، وعلیه، فلا یمکن الاعتماد علی تلک المقدّمات فی استنباط الأحکام الشرعیّۀ.
الجواب
وفیه:
أوّلًا: إن هذا الدلیل مرکّب من امور:
أحدها: کثرة الخطأ. وهذا أمر حسّی، ولا کلام فیه.
والثانی: إنه لا میزان للتشخیص بالنسبۀ إلی المواد. وهذا أیضاً أمر حسّی أو قریب من الحسّ. ولا کلام فیه.
صفحۀ 118 من 204
والثالث: إنه کلّ ما کثر فیه الخطأ سقط عن الدلیلیّۀ. وهذه کبري عقلیّۀ، وهی من المسائل التی لا تقبل النیل، لکثرة الخطأ فیها، کما
ذکر الأمین.
وبعبارة اخري: کلّ ما یحتاج إلی الموادّ فی مقام التحقّق الخارجی والتحقّق
ص: 212
من هذا القبیل، وهی من موادّ القضایا، وقد ذکر « الدلیلیّۀ » الذهنی، فهو خارج من مسائل الطبیعیّات والریاضیّات وداخل فی الإلهیّات، و
الأمین أنه لا میزان للتشخیص فیها.
وثانیاً إن السبب لکلّ خطأ یقع فی الأدلّۀ العقلیّۀ هو عدم درك الارتباط بین مقدمۀ الدلیل ونتیجته، إذ لیس کلّ نتیجۀٍ تحصل من کلّ
مقدّمۀ، بل لابدّ من تشخیص الارتباط بینهما، فعدم التشخیص هو سبب الخطأ، وإذا حصل التشخیص زال.
وثالثاً: إنه لا میزان لتشخیص الموادّ وتمییز الیقینیّات عن الظنیّات إلّا الوجدان، لأنّ الیقین والظن أمران وجدانیّان، وعلیه، فإنّ الخطأ
یرتفع بالتضلّع فی الامور والتأمّل فیها، وهذا ضروري فی جمیع العلوم التجربیّۀ، فلولا التضلّع فی معرفۀ المواد والقدرة علی التطبیق
الصحیح، لما حصل التوصّل إلی نتیجۀٍ فی مسألۀٍ من المسائل، ولو تمّ کلام الأمین للزم انسداد باب جمیع تلک العلوم.
ورابعاً إن کثرة الخطأ فی المقدّمات العقلیّۀ لو سلّم بها، لیست بأکثر منه فی المقدّمات الشرعیّۀ.
الدلیل الثانی: النصوص … ص: 212
قال الشیخ:
حرامٌ علیکم أن تقولوا بشیءٍ ما لم تسمعوه » : فإن قلت: لعلّ نظر هؤلاء فی ذلک إلی ما یستفاد من الأخبار- مثل قولهم علیهم السّلام
لو أنّ رجلًا قام لیله، وصام نهاره، وحجّ دهره، وتصدّق بجمیع ماله، ولم یعرف ولایۀ ولیّ اللَّه؛ فیکون » : وقولهم علیهم السّلام ،« منّا
أعماله بدلالته فیوالیه، ما کان له علی اللَّه
ص: 213
إلی غیر ذلک : … من أنّ الواجب علینا هو … ،« من دان اللَّه بغیر سماعٍ من صادقٍ فهو کذا وکذا » : وقولهم علیهم السّلام ،« ثواب
امتثال أحکام اللَّه تعالی التی بلّغها حججه علیهم السّلام، فکلّ حکمٍ لم یکن الحجّ ۀ واسطۀً فی تبلیغه لم یجب امتثاله، بل یکون من
فإنّ معنی سکوته عنه عدم أمر أولیائه بتبلیغه، وحینئذٍ، فالحکم المستکشف بغیر واسطۀ الحجّۀ ؛« اسکتوا عمّا سکت اللَّه عنه » : قبیل
مُلغیً فی نظر الشارع وإن کان مطابقاً للواقع؛ کما یشهد به تصریح الإمام علیه السّلام بنفی الثواب علی التصدّق بجمیع المال، مع القطع
بکونه محبوباً ومرضیّاً عند اللَّه.
ووجه الاستشکال فی تقدیم النقلی علی العقلی الفطري السلیم: ما ورد من النقل المتواتر علی حجّیۀ العقل، وأنّه حجّۀ باطنۀ، وأنّه ممّا
یُعبد به الرحمن ویُکتسب به الجنان، ونحوها ممّا یستفاد منه کون العقل السلیم أیضاً حجّۀ من الحجج، فالحکم المستکشف به حکمٌ
بلّغه الرسول الباطنی، الذي هو شرعٌ من داخل، کما أنّ الشرع عقلٌ من خارج.
وممّا یشیر إلی ما ذکرنا من قِبَل هؤلاء: ما ذکره السیّد ال ّ ص در رحمه اللَّه فی شرح الوافیۀ- فی جملۀ کلامٍ له فی حکم ما یستقلّ به
العقل- ما لفظه:
إنّ المعلوم هو أنّه یجب فعل شیءٍ أو ترکه أو لا یجب إذا حصل الظنّ أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غیرهما من جهۀ نقل قول
انتهی موضع ،«1» المعصوم علیه السّلام أو فعله أو تقریره، لا أنّه یجب فعله أو ترکه أو لا یجب، مع حصولهما من أيّ طریقٍ کان
الحاجۀ.
__________________________________________________
صفحۀ 119 من 204
.60 -58 / 1) فرائد الاصول 1 )
ص: 214
والجواب
وقد اجیب عن هذا الاستدلال بوجوه:
الأوّل: إنّ هذه النصوص تنهی عن الرّکون إلی القطع الحاصل من تلک المقدّمات، وهذا غیر معقول.
وفیه: إنّ محلّ الکلام الآن هو جواز الرکون إلی العقل لاستنباط الحکم الشرعی وعدم جوازه.
الثانی: إنها ناظرة إلی المنع عن العمل بالقیاس والاستحسان ونحوهما مما یفید الظنّ بالحکم الشرعی.
وفیه: إنّ هذا الجواب یتمّ بالنسبۀ إلی بعض النّصوص، ولعلّ أظهرها فی الدلالۀ علی المنع من الأخذ بالمقدّمات العقلیّۀ قبل حصول
القطع والمقصود منها. هو النهی عن القیاس ما:
عن أبی بصیر، قال قلت: لأبی عبداللَّه علیه السّلام: ترد علینا أشیاء لیس نعرفها فی کتاب اللَّه ولا سنّته، فننظر فیها؟
.«1» « قال: لا، أما أنک إنْ أصبت لم تؤجر وإنْ أخطأت کذبت علی اللَّه »
وهذه الروایۀ لم یوردها الشیخ.
أمّا سنداً، فهی معتبرة.
هو أنه إن کان الشیء فی الکتاب والسنّۀ رجع إلیهما فیه، وأمّا ما لا یوجد فیهما فلا ینظر فیه. « لا» : وأمّا دلالۀً، فظاهر قوله علیه السلام
…« أما أنّک » : وقوله
ظاهر فی إلغاء طریقیّۀ غیر الکتاب والسنّۀ، وإلّا لم یعقل عدم الأجر عند الإصابۀ
__________________________________________________
. 40 ، الباب 6 من أبواب صفات القاضی، رقم: 6 / 1) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 215
والکذب علی اللَّه عند الخطأ.
أعمّ من النظر العقلی « فننظر فیها » : لکن الاستدلال بها لما ذهب إلیه الأخباریون یتوقّف علی ثبوت الإطلاق فیها، بأنْ یکون قوله
إلّا أن ثبوته أوّل الکلام، لإمکان … ،« أما أنک » : مطلقاً من باب ترك الاستفصال، ویتفرّع علیه قوله « لا» : القطعی، فیکون قول الإمام
دعوي کون السؤال محفوفاً بما یصلح للصّارفیّۀ عن النّظر العقلی القطعیّ، وهو شیوع النظر القیاسی الظنّی فی تلک الأزمنۀ، وحینئذٍ، لا
ینعقد الإطلاق فی السؤال حتی ینعقد فی الجواب.
وهناك نصٌّ آخر ودلالته قویّۀ، وقد ذکره الشیخ، وهو ما:
لو أنّ رجلًا قام لیله وصام نهاره وتصدّق بجمیع ماله وحج جمیع دهره ولم یعرف ولایۀ » : عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام فی خبرٍ
.«1» « ولیّ اللَّه فیوالیه وتکون جمیع أعماله بدلالته إلیه، ما کان له علی اللَّه حق فی ثوابه ولا کان من أهل الایمان
والسند معتبر کذلک.
ویمکن الجواب عنه: بأنّ ما ورد عنهم علیهم السّلام ممّا یدلّ علی حجیّۀ العقل، من دلالۀ ولیّ اللَّه کذلک.
هذا، وأمّا استطراق الرمل والجفر للوصول إلی الأحکام الشرعیّۀ، فممنوع، لأنه مخالف للسّیرة الاستنکاریۀ المستمرة القطعیّۀ.
__________________________________________________
. 119 ، الباب 29 من أبواب مقدمۀ العبادات، رقم: 2 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 216
صفحۀ 120 من 204
تفصیل المحقق النائینی … ص: 216
وفصّل المیرزا بین التصرّف فی نفس القطع والتصرّف فی متعلّقه، فمنع الأوّل وأجاز الثانی … فإنه لیس للشارع أنْ یقول: لا ترتّب الأثر
علی قطعک، ولکنْ له أن یقول: إنّ أحکامی محدودة بما یستفاد من الکتاب والسنّۀ، وأمّا ما یستدلّ به علیها من خارجهما فلا أثر له.
وبعبارة اخري: للشارع أن یقیّد المراد لا القطع بالمراد، فلیس له أن یقول:
لا ترتّب الأثر علی القطع بالحکم الحاصل من غیر الکتاب والسنّۀ، لأنّ حجیّۀ القطع ذاتیّۀ، ولکنّ یمکن أن یقول: کلّ حکمٍ من أحکام
الکتاب والسنّۀ قطعت به، وجب علیک ترتیب الأثر علی قطعک به.
.«1» وقد ذکر لتقریب مراده فی المقام مقدّماتٍ ثلاث
المقدّمۀ الاولی: إنّه لا یمکن أخذ القطع بحکمٍ فی موضوع نفس ذلک الحکم لاستلزامه الدور، لأنّ القطع طریق إلی متعلّقه بالذات،
فالقطع بحکم متوقف علی تحقّق الحکم توقف الانکشاف علی المنکشف، فالحکم متقدّم فی الرتبۀ علی القطع، فلو أخذ القطع فی
موضوع الحکم لزم تأخر الحکم عن القطع، وهذا هو الدور.
المقدّمۀ الثانیۀ: إنه قد تقرّر- فی بحث التعبّدي والتوصّ لی- أن استحالۀ التقیید تستلزم استحالۀ الإطلاق، لأن التقابل بینهما من قبیل
العدم والملکۀ، فکلّ موردٍ لا یکون قابلًا للتقیید فهو غیر قابل للإطلاق، فلا یکون هناك تقیید
__________________________________________________
. 1) انظر: مصباح الاصول: 57 )
ص: 217
ولا إطلاق.
ونتیجۀ المقدّمتین: إنّ الأحکام الشرعیّۀ مهملۀ بالإضافۀ إلی علم المکلّف وجهله، لأنّ تقییدها بالعلم بها غیر ممکن بمقتضی المقدّمۀ
الاولی، وإطلاقها بالنسبۀ إلی العلم والجهل بها غیر ممکن بمقتضی المقدمۀ الثانیۀ. فتکون مهملۀ، لأنّ الملاك إمّا أن یکون فی جعل
الحکم لخصوص العالم به، فلابدّ من تقییده به، وإمّا أنْ یکون فی الأعم من العالم والجاهل، فلابدّ من تعمیمه، لکنْ تقدّم فی
المقدّمتین عدم إمکان التقیید والإطلاق، ولمّا کان الإهمال فی مقام الثبوت غیر معقول، فلابدّ من علاج، وهو ما ذکره فی:
المقدّمۀ الثالثۀ: من أنّ للشارع فی مثل هذه الموارد جعلًا ثانویّاً یعبّر عنه بمتمّم الجعل، فإمّا أنْ یقیّد به الحکم بالعلم، فیسمّی بنتیجۀ
التقیید، أو یعمّم به الحکم، فیسمّی بنتیجۀ الإطلاق … وحینئذٍ، لا یلزم الدّور، لأنّ متعلّق الجعل الأوّل هو الحکم علی نحو الإهمال،
ومتعلّق الثانی هو التقیید بالعالم أو الإطلاق، ومع تغایر المتعلّقین لا یلزم الدور.
وقد وقع فی الشریعۀ تخصیص الحکم وتقییده بالعلم فی مورد الجهر والإخفات والقصر والإتمام، ونلتزم فیهما بنتیجۀ التقیید- بمقتضی
الأدلّۀ الشرعیّۀ- أمّا فی غیرهما فیؤخذ بنتیجۀ الإطلاق، بمقتضی العمومات الدالّۀ علی أنّ الأحکام الشرعیّۀ مشترکۀ بین العالم والجاهل.
فظهر: أنّ من الممکن تقیید الحکم بالقطع الحاصل من سبب خاصّ- کالکتاب والسنّۀ- عن طریق متمّم الجعل، والمنع من العمل
بالقطع بالحکم الحاصل من غیر ذلک…
ص: 218
إلّا أنّ الکلام فی وقوع ذلک فی الشریعۀ، فإن مورده قلیل جدّاً، کالقطع الحاصل من القیاس، علی ما یظهر من روایۀ أبان.
إشکال السید الخوئی … ص: 218
قال السیّد الخوئی: أمّا ما ذکره من المقدّمۀ الاولی فهو تام.
صفحۀ 121 من 204
وأمّا ما ذکره فی المقدّمۀ الثانیۀ من أنّ: استحالۀ التقیید تستلزم استحالۀ الإطلاق، فهو غیر تام، لأنّ التقابل بینهما وإن کان من تقابل
العدم والملکۀ، لأن الإطلاق عبارة عن عدم التقیید فیما کان قابلًا له، إلّاأنه لا یعتبر فی التقابل المذکور القابلیّۀ فی کلّ مورد بشخصه،
بل تکفی القابلیّۀ فی الجملۀ. ألا تري: أن الإنسان غیر قابل للاتصاف بالقدرة علی الطیران مثلًا، ومع ذلک یصح اتصافه بالعجز عنه
فیقال: هو عاجز عن الطیران، ولیس ذلک إلّالکفایۀ القابلیّۀ فی الجملۀ، وأن الإنسان قابل للاتصاف بالقدرة فی الجملۀ وبالنسبۀ إلی
بعض الأشیاء، وإنْ لم یکن قادراً علی خصوص الطیران.
وفی المقام، حیث أن تقیید الحکم بالعلم به مستحیل، لما عرفت من استلزامه الدور، وتقییده بالجهل به أیضاً محال، لاستلزامه الدور
کذلک، فیکون مطلقاً بالنسبۀ إلی العلم والجهل لا محالۀ فی الجعل الأوّلی، بلا حاجۀ إلی متمّم الجعل، وإذا کان کذلک وقطع به
المکلّف، یستحیل منعه عن العمل بقطعه، لاستلزامه اجتماع الضدّین اعتقاداً مطلقاً، ومطلقاً فی صورة الإصابۀ.
قال:
وقد ظهر بما ذکرناه فساد ما ذکره من صحّۀ أخذ القطع بالحکم فی موضوعه شرطاً أو مانعاً بتتمیم الجعل، لأنه متوقف علی کون
الجعل الأولی بنحو
ص: 219
الإهمال. وقد عرفت کونه بنحو الإطلاق.
وأمّا ما ذکره من أن العلم مأخوذ فی الحکم فی موارد الجهر والإخفات والقصر والتمام.
ففیه: إن الأمر لیس کذلک، إذ غایۀ ما یستفاد من الأدلّۀ هو إجزاء أحدهما عن الآخر، وإجزاء التمام عن القصر عند الجهل بالحکم، لا
اختصاص الحکم بالعالم، فإن اجتزاء الشارع- فی مقام الامتثال بالجهر فی موضع الإخفات أو العکس- لا یدلّ علی اختصاص الحکم
بالعالم. ویدلّ علیه أن العنوان المذکور فی الروایۀ هو الجهر فیما ینبغی فیه الإخفات أو الإخفات فیما ینبغی فیه الجهر. وهذا التعبیر
ظاهر فی ثبوت الحکم الأوّلی للجاهل أیضاً. ویؤیّده تسالم الفقهاء علی أن الجاهل بالحکمین مستحق للعقاب عند المخالفۀ فیما إذا
کان جهله عن تقصیر، فإنه علی تقدیر اختصاص الحکم بالعالم، لا معنی لکون الجاهل مستحقّاً للعقاب.
وأما ما ذکره من ثبوت المنع عن العمل بالقطع الحاصل من القیاس بروایۀ أبان، ففیه:
أولًا: إن روایۀ أبان ضعیفۀ السند، فلا یصح الاعتماد علیها.
کنا نسمع ذلک بالکوفۀ، ونقول إن الذي » : وثانیاً: إنه لا دلالۀ لها علی کونه قاطعاً بالحکم. نعم یظهر منها کونه مطمئناً به، حیث قال
.« جاء به شیطان
وثالثاً: إنه لیس فیها دلالۀ علی المنع عن العمل بالقطع علی تقدیر حصوله لأبان، فإن الإمام علیه السّلام قد أزال قطعه ببیان الواقع، وأن
قطعه مخالف له، وذلک یتفق کثیراً فی المحاورات العرفیّۀ أیضاً، فربما یحصل القطع بشیء لأحد،
ص: 220
ویري صاحبه أن قطعه مخالف للواقع، فیبین له الواقع، ویذکر الدلیل علیه، لیزول قطعه أيجهله المرکب، لا للمنع عن العمل بالقطع
.«1» علی تقدیر بقائه
مناقشۀ الإشکال … ص: 220
وقد ذکرنا فی مبحث التعبّدي والتوصّ لی: أنّ الحق مع المیرزا فی هذا المقام، وملخّص الکلام هو: إن المقصود من الإطلاق هو
الإطلاق الحجّ ۀ الکاشف عن غرض المولی، ومثل هذا الإطلاق إنما یتحقّق فیما إذا کان المولی متمکّناً من التقیید، فلولم یکن متمکناً
منه ثبوتاً کما فی موردنا أو إثباتاً لخوف ونحوه، فلا یکون الإطلاق حجۀ.
صفحۀ 122 من 204
وفیما نحن فیه: المفروض- بحکم المقدّمۀ الاولی- عدم تمکّن المولی من التقیید، للزوم الدور، والمفروض أن النسبۀ بینه وبین
الإطلاق هو العدم والملکۀ، وحینئذٍ، فهو غیر متمکن من الإطلاق، ومثله لا یکون حجۀً … وهذا هو مقصود المیرزا، فلا مجال للردّ
علیه بکفایۀ القابلیّۀ فی الجملۀ.
وإذا سقط الإطلاق، ولزم الإهمال- وهو محال- فلا مناص من متمّم الجعل.
وهذا هو الجواب عن الإشکال علی المیرزا ثبوتاً.
وأمّا الإشکال علیه إثباتاً- بالمناقشۀ فی روایۀ أبان سنداً ودلالۀ. أمّا دلالۀً فلأن أبان قد حصل علی الإطمینان من القیاس، وبحثنا فی
القطع. وأمّا سنداً، فبضعف الروایۀ- فهو مردود.
__________________________________________________
.60 -59 / 1) مصباح الاصول 2 )
ص: 221
وهذه الکلمۀ لا تقال إلّافی مورد القطع بالبطلان. « کنا نقول: الذي جاء به شیطان » : أمّا دلالۀً، ففی الرّوایۀ قوله
وأمّا سنداً، فالمناقشۀ فی سند الروایۀ سهوٌ من قلم المقرّر، إذ لیس فی السّند أحد یتأمّل فی وثاقته. فالکلینی رواها عن علی بن إبراهیم،
عن أبیه ومحمّد بن إسماعیل، عن إبراهیم بن هاشم، عن ابن أبی عمیر، عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب. والشیخ رواها
بإسناده عن الحسین بن سعید عن ابن أبی عمیر عن عبدالرحمن عن أبان.
مشترك بین ثلاثۀ أحدهم ضعیف، لکنّ هذا- بالقرینۀ- هو البندقی النیسابوري الراوي عن الفضل بن شاذان، « محمّد بن إسماعیل » و
وهو ثقۀ. ومع التنزّل، فإنّ معه إبراهیم بن هاشم.
التحقیق فی الجواب … ص: 221
والتحقیق أنْ یقال فی الجواب عن هذا التفصیل بأنّ: الإنقسامات الثانویّۀ علی قسمین: أحدهما: ما یمکن تقییده بالدلیل الثانی، والآخر:
ما لا یمکن تقییده أصلًا، وما نحن فیه من القسم الأوّل.
توضیحه: إنّ الانقسام الثانوي تارةً: من قبیل قصد الأمر، إذ لا یمکن أخذه فی المتعلّق بالدلیل الأوّل، لأنه لا یمکن أن یقول- علی
المبنی-: ال ّ ص لاة واجبۀ علیک بقصد هذا الأمر، فیحتاج إلی الأمر الثانی. لکنّ التقیید بالعلم والجهل لیس عدم إمکانه مختصّاً بالدلیل
الأوّل، بل إنه ناشئ من تقدّم الموضوع علی حکمه فی أيّ مقام. بیانه:
إن الحکم دائماً متأخر عن موضوعه، فلو أراد أخذ العلم بالدلیل الثانی فی
ص: 222
الموضوع، أفاد أخذ العلم بنفس هذا الحکم فی موضوعه، کأنه قال: هذا الحکم هو للعالم بحکمه فی هذه الواقعۀ، وحینئذٍ، یلزم
الاحتلال فی قانون تأخّر الحکم عن الموضوع، فالمحذور هو عدم قابلیّۀ تقیید الموضوع بالحکم، وهذا المحذور موجود دائماً، فلا
یمکن التقیید لا بالدلیل الأوّل ولا الثانی أبداً.
وببیانٍ آخر: تقیید الحکم بالعلم یتوقف علی العلم بالحکم، فیکون العلم متقدّماً ومتأخراً معاً. وهو محال.
وأمّا دلیل الإخفات، فیدلُّ علی الإجزاء فی مقام الامتثال، ولا دلالۀ له علی التقیید بالعلم، ولو فرض ظهوره فی هذا التقیید، فلابدّ من
تأویله بمقتضی ما ذکر من البرهان القطعی، فلا ینتقض ما ذکرنا بمسألۀ الجهر والإخفات.
تفصیل المحقق العراقی … ص: 222
صفحۀ 123 من 204
وفصّل المحقق العراقی بین التنجیز والتعذیر، بأنْ لا یکون القطع الحاصل من المقدّمات العقلیۀ معذّراً، قال ما نصّه:
یمکن أنْ یفرّق بین القطع الناشئ عن تقصیر المکلّف فی مقدّمات حصول قطعه وبین غیره، فی جهۀ معذریّته عند مخالفۀ قطعه للواقع،
بدعوي عدم معذوریّۀ من یق ّ ص ر فی مقدّمات قطعه، خصوصاً إذا کان کذلک من جهۀ الخوض فی المقدّمات العقلیّۀ التی نهی عن
الخوض فیها، ولکن مثل هذه الجهۀ غیر مرتبطۀ بجهۀ منجّزیّته وعلیّته لحکم العقل بوجوب الحرکۀ علی وفقه، إذ لا تلازم بین عدم
معذوریّۀ قطعه ذلک عند تحقّقه عن الواقع وبین عدم منجّزیّته فی مقام إثبات الاشتغال بالتکلیف وصحّۀ الردع عن العمل علی وفقه،
ولا بأس أیضاً بالالتزام بهذا المقدار … ولعلّه إلی ما ذکرنا نظر القائل بعدم اعتبار قطع القطّاع … بل
ص: 223
«1 …» ویمکن أن یحمل علیه أیضاً مقالۀ الأخباریین
وحاصله:
إنه لیس للشارع التصرّف فی القطع من حیث المنجزیّۀ، أمّا من حیث المعذریّۀ فیمکنه ذلک، بأنْ یمنع من استطراق شیء معیّن، کما
نهی عن استطراق القیاس، وحینئذٍ، لا یکون القطع الحاصل عن طریقٍ قد نهی عن استطراقه عذراً.
وشیخنا دام بقاه فی الدّورة السّابقۀ. «2» وهذا التفصیل لا غبار علیه، وقد وافقه علیه سیّدنا الاستاذ قدّس سرّه
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 44 )
.119 / 2) منتقی الاصول 4 )
ص: 224
العلم الإجمالی … ص: 223
اشارة
إنه لمّا تقرّر حجیّۀ القطع ولزوم ترتیب الآثار علیه عقلًا، فهل یفرّق بین القطع التفصیلی والإجمالی؟
قال فی الکفایۀ:
إنه قد عرفت کون القطع التفصیلی بالتکلیف الفعلی علّۀً تامّۀ لتنجّزه، لا تکاد تنال ید الجعل إثباتاً ونفیاً، فهل القطع الإجمالی کذلک؟
.«1» فیه إشکال
حقیقۀ العلم الإجمالی … ص: 224
للعلم الإجمالی اصطلاحات:
منها: إنه یطلق فی مقابل الکشف التفصیلی، کوجود المطالب العلمیّۀ المفصّلۀ فی الملکۀ العلمیّۀ للإنسان.
ومنها: إنه العلم بالشیء بوجهه العام، کالعلم بالنتیجۀ فی ضمن العلم بالکبري.
ومنها: العلم بالشیء بوجهه الخاص، وهو علم به بوجهٍ، کالعلم بالوجودات الخارجیّۀ.
ومنها: العلم الإجمالی الإرتکازي، فی مقابل العلم الإرتکازي التفصیلی،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 272 )
صفحۀ 124 من 204
ص: 225
کما فی مسألۀ التبادر، حیث یعلم بمعنی اللّفظ إجمالًا، وعن طریق التبادر یعلم به تفصیلًا.
ومنها: العلم المشوب بجهلٍ مّا.
وهذا الأخیر هو المقصود هنا.
فعن صاحب الکفایۀ: إنه العلم بالمردّد.
وعن المحقق العراقی: إنه الصّورة الإجمالیّۀ.
فإنْ کان مراده من الصّورة الإجمالیّۀ: وجود الإجمال فی متعلّق العلم، رجع کلامه إلی نظر المحقّق الخراسانی، وإن کان مراده وجود
الإجمال فی العلم نفسه- کما هو ظاهر کلامه- ففیه: إنه غیر قابل للتعقّل، إذ کیف یکون العلم وهو مشوبٌ بالجهل؟
وأمّا ما ذهب إلیه صاحب الکفایۀ، ففیه: إنّ تعلّق الأمر الاعتباري بالمردّد بل بالمعدوم جائز، لکنّ بحثنا فی العلم وهو من الامور
الحقیقیّۀ.
ولا یخفی أن الامور الحقیقیّۀ منها ما هو متقوّم فی ذاته بالغیر، ومنها ما لیس کذلک، فمن الثانی: الشجاعۀ، ومن الأول: العلم، فإنه أمر
حقیقی متقوّم بالغیر، وإذا کان کذلک، کیف یکون ذلک الغیر المتقوّم به مردّداً، مع أنّ المردّد لا حقیقۀ له ولا وجود؟
وبما ذکرنا أشکل المحقق الإصفهانی علی الرأیین المذکورین، وذهب إلی أنّ العلم الإجمالی لیس إلّاالعلم التفصیلی المنضمّ إلیه
الجهل، فالفرق بینه وبین التفصیلی هو فی ناحیۀ المتعلّق، حیث أنه فی التفصیلی هو الخصوصیّۀ، وفی الإجمالی هو الجامع الانتزاعی،
المنطبق علی هذا وذاك. « أحدهما » وهو عنوان
ص: 226
وقد اختار الاستاذ هذا الرأي.
فهذا مطلب.
مراتب الحکم … ص: 226
ومطلب آخر: ذهب المحقق الخراسانی إلی أنّ للحکم أربع مراتب، مرتبۀ الملاك، ومرتبۀ الإنشاء، ومرتبۀ الفعلیۀ، ومرتبۀ التنجز.
وخالفه الآخرون وقالوا: لیس له إلّامرتبتان: الإنشاء والفعلیّۀ، لأنّ الملاك علّۀ للحکم، وعلّۀ الشیء غیر الشیء، والتنجّز. أثر الحکم،
وأثر الحکم غیر الحکم.
وهذا هو الحق.
حقیقۀ الفعلیّۀ … ص: 226
إلّا أنهم اختلفوا فی حقیقۀ الفعلیّۀ.
فذهب الشیخ وصاحب الکفایۀ والمیرزا إلی أنّ فعلیّۀ الحکم متقوّمۀ بفعلیّۀ موضوعه، أي: تحقق الموضوع بقیوده وشرائطه وانتفاء
موانعه.
وذهب المحقق الإصفهانی: إلی تقوّم الفعلیّۀ بالوصول، فهو یقول بوحدة مرتبتی التنجّز والفعلیّۀ، والوصول، إمّا وجدانی وإمّا تعبّدي،
فما لم یصل الحکم فلا وجود له، لأنّ الفعلیّۀ عین الوجود.
قال: إن حقیقۀ الحکم عبارة عن الإنشاء بداعی جعل الدّاعی للفعل أو للزجر، وما لم یصل إلی المکلّف، فلا داعویّۀ له، فإمکان
الداعویۀ متقوّم بالوصول، ولولاه فلا إمکان للداعویّۀ، وما لم یکن کذلک فلیس بحکم.
صفحۀ 125 من 204
لکنّ الإشکال المتوجّه علیه هو: أنه یصحّ حقیقۀً أن یقال: هذا الحکم
ص: 227
واصل وهذا الحکم غیر واصل، فانقسام الحکم إلی الواصل وغیر الواصل برهان علی عدم تقوّم الحکم بالوصول.
فالحق ما ذهب إلیه الجماعۀ، خلافاً له.
وصول الحکم عقلًا وعقلاء … ص: 227
لکنّهم متّفقون علی وصول الحکم إلی المکلّف فی مورد العلم الإجمالی- وإنْ اختلفوا فی کیفیّۀ وصوله- وإذا وصل الحکم فالعقل
حاکم بتنجّزه، لأنّ المعتبر عنده وصول الحکم ولا ینظر إلی کیفیّۀ وصوله، فالعلم الإجمالی مؤثر ولیس بحکم الجهل والشک،
وموضوع حکمه باستحقاق العقاب هو مخالفۀ التکلیف الواصل بنحوٍ من الوصول، فتوهّم أن العلم الذي جعل موضوعاً عند العقل فی
باب الإطاعۀ والمعصیۀ یختصُّ بالعلم التفصیلی، وأنّ العلم الإجمالی مساوق للجهل فی عدم التأثیر، باطل قطعاً.
هذا بالنسبۀ إلی حکم العقل.
وکذلک الحال فی السیرة العقلائیّۀ، فإنه لا یعتبر فی المؤاخذات بین الموالی والعبید، أن یکون التکلیف واصلًا إلی العبد بالوصول
ما کان اللَّه لیخاطب خلقه بما لا » التفصیلی، بل یکفی العلم الإجمالی به، وإذا کان کذلک، ففی أحکام المولی الحقیقی بالأولویّۀ، إذ
وما کان للشارع بیانٌ مغایر لما هو المرتکز عند العقلاء فی کیفیۀ المؤاخذة علی مخالفۀ أحکامه. «1» کما فی الخبر « یعلمون
__________________________________________________
. 167 ، الباب 35 من أبواب ما یکتسب به، رقم: 13 / 1) وسائل الشیعۀ 17 )
ص: 228
الکلام فی منجزیّۀ العلم الإجمالی … ص: 228
اشارة
وبعد، فلمّا ظهر بطلان القول بعدم مؤثریۀ العلم الإجمالی، وأنّ القدر المتیقن وجود الاقتضاء له للتنجیز، فیقع البحث فی أنه یقتضی
تنجیز الحکم بوجوب موافقته قطعاً وحرمۀ مخالفته قطعاً، إلّاأنْ یقوم مانعٌ کما لو تمّ الإطلاق فی أدلّۀ الاصول لتشمل أطراف العلم
الإجمالی، وحینئذٍ لا یتحقّق التنجیز، أو أنه علّۀ تامّۀ له؟ وعلی الثانی قولان، أحدهما: أن العلم الإجمالی علّۀ لتنجیز الحکم المعلوم
بالإجمال مطلقاً، أيسواء فی الموافقۀ القطعیّۀ والمخالفۀ القطعیّۀ، والآخر: إنه علّۀ تامّۀ فی حرمۀ المخالفۀ القطعیّۀ، أما بالنسبۀ إلی
الموافقۀ، فهو باقٍ علی حدّ الاقتضاء.
فظهر موارد الاختلاف فی المقام، فهناك قولٌ بعدم الاقتضاء أصلًا، وعلی الاقتضاء، فهل هو ذو اقتضاء أو علّۀ تامّۀ، وعلی العلیّۀ قولٌ
بالعلیّۀ المطلقۀ وقولٌ بالتفصیل.
الاقتضاء أو العلیّۀ التامّۀ …؟ ص: 228
وغیرهما إلی التفصیل، أيالعلیّۀ التامّۀ بالنسبۀ إلی حرمۀ المخالفۀ القطعیّۀ، والاقتضاء بالنسبۀ إلی الموافقۀ «1» ذهب الشیخ والمیرزا
القطعیّۀ.
__________________________________________________
صفحۀ 126 من 204
.86 / 93 ، أجود التقریرات 3 / 1) فرائد الاصول 1 )
ص: 229
إلی العلیّۀ التامّۀ فی الجهتین. «1» وذهب المحققان الإصفهانی والعراقی
وکلمات صاحب الکفایۀ مختلفۀ، فهنا یقول بالأوّل، وفی مبحث الاشتغال بالثانی، وکذلک فی حاشیته علی الکفایۀ فی هذا المقام کما
لا یخفی علی من راجعها.
لکنّ السیّد الاستاذ قدّس سره أصرّ علی عدم عدول المحقق الخراسانی، إذْ قال رحمه اللَّه فی أوائل مباحث الاشتغال بعد بیان ما جاء
فی الکفایۀ هناك:
وقد اورد علیه: بأن ظاهره کون العلم الإجمالی علّۀً تامّۀً للتنجیز کالعلم التفصیلی، وأن الفرق بینهما من ناحیۀ المعلوم، وهذا یتنافی مع
ما تقدّم منه فی مباحث القطع من کونه مقتضیاً للتنجیز وتأثیره فیه بنحو الاقتضاء لا العلیّۀ التامّۀ.
قال:
.«2 …» والتحقیق: إنه لا تنافی بین ما أفاده فی الموردین بل هما متّفقان، بیان ذلک
فراجعه وتدبّر.
رأي الشیخ … ص: 229
لقد أفاد رحمه اللَّه ما ملخّصه: إذا تحقّق العلم بالتّکلیف إجمالًا، سواء فی الشبهۀ الموضوعیّۀ کتردّد الخمر بین الإناءین، أو فی الشبهۀ
الحکمیۀ کتردّد الوجوب بین الظهر والجمعۀ، فإنّ المخالفۀ القطعیّۀ للتکلیف المعلوم بالإجمال حرام بحکم العقل، لأنها معصیۀ،
والترخیص فی المعصیۀ محال.
__________________________________________________
. 88 ، نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 46 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
.47 / 2) منتقی الاصول 5 )
ص: 230
فإنْ قلت: إنّ المعصیۀ محرّمۀ بحکم العقل، ولکنّ مقتضی الاصول ارتفاعها، وإذا انتفی موضوع حکم العقل انتفی الحکم بتبعه، فإذا
جرت أصالۀ الإباحۀ فی کلّ من الإناءین لم تبق الحرمۀ، فلا معصیۀ، فلا حکم من العقل.
قلت: إن کان الأصل جاریاً فی کلّ من الطرفین، فإنّ الحکم المعلوم بالاجمال الموجود فی البین موجود ولا رافع له. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إن جري الأصل فی الطرفین، أنتج رفع الحکم بوجوب الاجتناب، لکنه یناقض دلیل وجوب الاجتناب عن النجس فی البین.
ثم أمر الشیخ بالتأمّل کما فی نسخۀ، وبالفهم کما فی نسخۀ.
وکأنه- کما ذکر المحشّون- للإشارة إلی عدم تمامیّۀ الوجه الثانی، وذلک للمنع من کون مرجع أصالۀ الطّهارة إلی عدم وجوب
.«1» الاجتناب المخالف لقول الشارع: اجتنب عن النجس، من جهۀ کونها حاکمۀً علی أدلّۀ وجوب الاجتناب عن النّجس
رأي صاحب الکفایۀ … ص: 230
وذهب المحقق الخراسانی إلی أن العلم الإجمالی مؤثّر، لکن بنحو الاقتضاء بالنسبۀ إلی الموافقۀ والمخالفۀ کلیهما- فهو موافق للشیخ
فی الموافقۀ ومخالف له فی المخالفۀ- فهذا مدّعاه، ومعنی ذلک أن للشارع الترخیص فی جمیع أطراف الشبهۀ، وتجوز المخالفۀ
العملیّۀ للتکلیف المعلوم بالإجمال. فقال:
صفحۀ 127 من 204
ربما یقال: إنّ التکلیف حیث لم ینکشف به تمام الانکشاف وکانت مرتبۀ
__________________________________________________
.289 / 88 ، بحر الفوائد 1 / 1) قلائد الفرائد 1 )
ص: 231
الحکم الظاهري معه محفوظۀ، جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالًا بل قطعاً، ولیس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالًا إلّامحذور
مناقضۀ الحکم الظاهري مع الواقعی فی الشبهۀ غیر المحصورة بل الشبهۀ البدویّۀ، ضرورة عدم تفاوت فی المناقضۀ بین التکلیف
الواقعی والإذن بالإقتحام فی مخالفته بین الشبهات أصلًا، فما به التف ّ ص ی عن المحذور فیهما، کان به التف ّ ص ی عنه فی القطع به فی
الأطراف المحصورة أیضاً کما لا یخفی.
نعم، کان العلم الإجمالی کالتفصیلی فی مجرّد الإقتضاء لا فی العلیّۀ التامّۀ، فیوجب تنجّز التکلیف أیضاً لولم یمنع عنه مانع عقلًا، کما
کلّ شیء فیه حلال وحرام فهو لک » کان فی أطرافٍ کثیرة غیر محصورة أو شرعاً کما فی إذن الشارع فی الاقتحام فیها، کما هو ظاهر
.« حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه
وبالجملۀ: قضیّۀ صحّۀ المؤاخذة علی مخالفته مع القطع به بین أطراف محصورة، وعدم صحّتها مع عدم حصرها أو مع الإذن فی
الاقتحام، هو کون القطع الإجمالی مقتضیاً للتنجّز لا علّۀ تامّۀ.
.«1» ثم تعرّض لرأي الشیخ وقال عنه بأنه ضعیف جدّاً
أقول:
أمّا دلیله علی جواز المخالفۀ، فتوضیحه: إن الحکم:
تارةً: فعلیّ من جمیع الجهات، أي: إنّ الشارع لا یرضی بمخالفته أصلًا، ومثل هذا الحکم لا یمکن الترخیص فیه، بل المجعول هناك
وجوب الاحتیاط، فله علیّۀٌ تامّۀ لحرمۀ المخالفۀ العملیّۀ.
__________________________________________________
.273 - 1) کفایۀ الاصول: 272 )
ص: 232
واخري: لیس فعلیّاً من جمیع الجهات، وهناك یمکن الترخیص فی المخالفۀ.
والحاصل: إنه فی القسم الأوّل لا یمکن جریان الأصل فی الأطراف، وفی الثانی یمکن، فالأمر یدور مدار غرض المولی من الحکم.
وبتقریب آخر: إن الأصل لا یجري فی أطراف الشبهۀ إلّامع وجود المقتضی لجریانه وعدم المانع عنه، ولمّا کان موضوع الأصل-
أيالشک- متحقّقاً فی کلّ واحدٍ من أطراف الشبهۀ المقرونۀ بالعلم الإجمالی، کان المقتضی موجوداً.
وأمّا المانع، فإمّا هو عقلی أو شرعی، أمّا المانع العقلیّ من اندراج أطراف الشبهۀ تحت إطلاقات أدلّۀ الاصول فهو العلم، وتوضیح
ذلک:
إنّ أدلّۀ الاصول العملیّۀ علی قسمین.
فإنه یرفع الحکم المجهول، ،« رفع ما لا یعلمون » : فمنها: ما هو غیر مغیّی بالعلم والیقین وهو منطوق بلا مفهوم، مثل قوله علیه السلام
وهو بإطلاقه یشمل الشبهۀ البدویّۀ والمقرونۀ بالعلم، ولا مفهوم له. فلا مانعیّۀ لهذا القسم.
ومن «… کلّ شیء لک حلال حتی تعرف أنه حرام » و ،« لا تنقض الیقین بالشک بل انقضه بیقین آخر » : ومنها: ما هو مغیّی بالعلم مثل
المعلوم أنه إذا حصل العلم ارتفع الشک فلا موضوع لجریان الأصل، وإلّا لزم التناقض أو التضاد بین مفاد الأصل والحکم الواقعی.
یقول المحقق الخراسانی: إنّ هذا القسم أیضاً یشمل موارد العلم الإجمالی، ولا محذور، لأنّ شرط التضادّ أو التناقض أنْ یکون الحکم
صفحۀ 128 من 204
الظّاهري المدلول علیه بالأصل فی مرتبۀٍ واحدة مع الحکم الواقعی حتی یلزم اجتماع
ص: 233
الضدّین أو النقیضین، لأنّ الحکم الظاهري فعلی علی جمیع التقادیر، والواقعی غیر فعلی کذلک.
هذا حلّاً.
وأمّا نقضاً: فإنه لو کان العلم مانعاً، لزم منع الاحتمال الموجود فی الشبهات البدویّۀ عن جریان الأصل، لأنّ احتمال اجتماع الضدّین أو
النقیضین محال کالقطع بذلک، والحال أنّ الاصول تجري فی موارد الشبهات البدویّۀ، فما به التف ّ ص ی عن المحذور هناك، کان به
التفصّی عنه فی القطع به فی الأطراف المحصورة.
والحاصل: إن العلم الإجمالی کالتفصیلی فی مجرّد الاقتضاء لا فی العلیّۀ التامّۀ، فیوجب تنجّز التکلیف لولم یمنع عنه مانع عقلًا، کما
کلّ » : حصل المانع العقلی عن الاقتضاء فی الشبهۀ غیر المحصورة، والمانع الشرعی فیما أذن الشارع فی الاقتحام فیه کما هو ظاهر الخبر
.« شیء لک حلال
مناقشۀ المحقق الخراسانی … ص: 233
ویرد الإشکال علی المحقق الخراسانی فی حلّه ونقضه:
أمّا ما ذکره فی مرحلۀ الحلّ، ویتلخّص فی:
أنّ الحکم الواقعی المعلوم بالإجمال غیر واصل إلی مرحلۀ الفعلیّۀ بل باقٍ فی مرحلۀ الإقتضاء، لکن الأصل العملی موضوعه هو الشکّ
فی الحکم الواقعی وهو فی مرحلۀ الفعلیّۀ، فلا تضادّ ولا تناقض بینه وبین الحکم الواقعی.
فالجواب:
إنّ فعلیّۀ الحکم عند المحقّق الخراسانی تدور مدار وجود الموضوع
ص: 234
وقیوده- لا بوصول الحکم إلی المکلّف کما تقدم- وعلیه، فعدم کون الحکم المعلوم بالإجمال فعلیّاً هو من أجل عدم العلم به
بالتفصیل، فما لم یکن علم تفصیلی بالحکم فذاك الحکم غیر فعلی، ومعنی هذا الکلام أن یکون للعلم التفصیلی بالحکم دخلٌ فی
موضوع نفس الحکم، وهل یعقل أخذ العلم بالحکم فی موضوع نفس الحکم؟
قد تقدّم استحالۀ أخذ العلم بالحکم فی موضوع نفس الحکم.
ولو قیل: بأنّ المقصود هو أنّ العلم التفصیلی بالحکم فی مرتبۀ الإنشاء دخیل فی الحکم فی مرتبۀ الفعلیّۀ له. وهذا ممکنٌ عند صاحب
الکفایۀ وجماعۀ.
قلنا: هذا فی عالم الثبوت، وأین الدلیل علیه فی عالم الإثبات؟ إنه لا یوجد دلیلٌ علی أخذ العلم التفصیلی بالحکم إنشاءً فی موضوع
نفس الحکم فی مرحلۀ الفعلیّۀ.
هذا، علی أنّ موضوع البحث- کما ذکر المحقق الإصفهانی- هو العلم الطریقی لا المأخوذ فی الموضوع.
هذا أوّلًا.
وثانیاً: هل العلم الإجمالی بیانٌ للحکم أوْ لا؟ وعلی الأول، تارةً یطابق الواقع واخري یخالفه.
أمّا إن لم یکن للعلم الإجمالی بیانیۀٌ أصلًا، فهذا خلاف الفرض، لأنّ المحقق الخراسانی قد قرّر أنّ للعلم الإجمالی اقتضاءً- ولیس
کالشک والجهل- ولذا لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بیان فی مورد العلم الإجمالی.
فالعلم الإجمالی بیانٌ علی التکلیف من قبل المولی، وإذا قام البیان علی
صفحۀ 129 من 204
ص: 235
التکلیف، استحق العقاب علی مخالفته إن کان البیان مطابقاً للواقع، لأن الارتکاب معصیۀ، وإنْ کان مخالفاً للواقع، فالإرتکاب تجرٍّ من
العبد، وقد قرّر هذا المحقّق أن التجري هتک للمولی.
وعلیه، فإنّ جریان الأصل فی طرفی الشبهۀ المحصورة، یستلزم إمّا الإذن فی المعصیۀ، وإمّا الإذن فی هتک المولی الحقیقی، وکلاهما
باطل.
وأمّا ما ذکره فی مرحلۀ النقض، فالجواب:
أمّا عن الشبهۀ البدویّۀ، فإن صاحب الکفایۀ نفسه ذهب إلی البراءة فی الشبهۀ البدویّۀ. وعلی الجملۀ: إنه لا بیان فیها، ومع عدم البیان
فالعقاب قبیح.
بخلاف مورد العلم الإجمالی، فإنه بیان، ومعه لا یجري الأصل. فبین المسألتین فرق واضح، فالنقض غیر وارد.
نعم، تبقی مشکلۀ جریان البراءة الشرعیّۀ، إذ کیف یجمع بین الرفع والوجوب المحتمل أو الحرمۀ المحتملۀ، وقضیّۀ کیفیّۀ الجمع بین
الحکم الظاهري والحکم الواقعی ممّا تعرّض له العلماء، ولکلٍّ منهم مسلک کما سیأتی.
وأمّا عن الشبهۀ غیر المحصورة، فکلامه صریحٌ فی أنه قیاس مع الفارق، لأنّه قد صرّح هناك بأن بقاء التکلیف فی مورد الشبهۀ غیر
المحصورة، یستلزم العسر والحرج والضرر، وعمومات نفیها ترفعه … فمن یقول هذا هناك، کیف یعترض علی الشیخ هنا؟
خلاصۀ البحث … ص: 235
إنّ العلم الإجمالی علّۀ تامۀ بالنسبۀ إلی حرمۀ المخالفۀ القطعیّۀ:
أوّلًا: لأن الترخیص فی أطراف الشبهۀ المحصورة یستلزم التناقض فی
ص: 236
حکم العقل.
وثانیاً: إنّه یستلزم التناقض فی حکم الشرع أیضاً. ولا یرتفع ذلک باختلاف مرتبۀ الحکم الظاهري مع مرتبۀ الحکم الواقعی.
ووجه عدم الارتفاع هو: إنّ کلّاً من الحکمین مجعول شرعی، والحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی، وهل یعقل جعل الداعی إلی
الفعل وعدم الترك، وجعل الداعی إلی الترك والترخیص؟ إنه لا یعقل جعل الداعی إلی المتناقضین أو المتضادّین.
وبعبارة اخري: إنّ الحکم الواقعی یتعلّق به الغرض، وجعل الترخیص فی مورده نقض للغرض، وهو محال.
وتلخّص:
إن الحق مع الشّیخ، وأنّ المخالفۀ القطعیّۀ للحکم المعلوم بالإجمال حرام.
بقی شیء یتعلّق بکلام الشیخ، وذلک أنه قال: بوجود المقتضی لجریان الأصل فی کلّ طرفٍ بخصوصه، إلّاأنه لا أصل یرفع النجاسۀ
أو الوجوب والحرمۀ المعلومۀ بالإجمال الموجودة فی البین.
وهذا الکلام إنما یتمّ فیما إذا اجري الأصل بعنوان صلاة الظهر مثلًا بخصوصها أو الإناء الکذائی بخصوصه … ولکنّ الأمر لیس
کذلک، بل المقصود إجراؤه بعنوان ال ّ ص لاة المحتمل وجوبها، والإناء المحتمل نجاسته أو خمریّته، فإذا جري فی کلّ طرفٍ انتفی
الوجوب أو النجس الموجود فی البین، ویلزم التناقض.
ولا بأس- بعد ذلک- بذکر استدلال بعض أتباع الشّیخ فی المقام:
ص: 237
کلام المیرزا … ص: 237
صفحۀ 130 من 204
کلام المیرزا … ص: 237
فمنهم: المحقق النائینی، فإنه قال:
جریان الاصول العملیّۀ فی کلّ واحدٍ من الأطراف، یستلزم الجمع فی الترخیص بین جمیع الأطراف، والترخیص فی الجمیع یضادّ
التکلیف المعلوم بالإجمال، فلا یمکن أنْ تکون رتبۀ الحکم الظّ اهري محفوظۀ فی جمیع الأطراف، نعم، یمکن الترخیص فی بعض
الأطراف والاکتفاء عن الواقع بترك الآخر أو فعله.
ودعوي الملازمۀ بین حرمۀ المخالفۀ القطعیّۀ ووجوب الموافقۀ القطعیّۀ، وأن العلم الاجمالی إمّا أنْ یکون علّۀً تامّۀً بالنسبۀ إلی کلا
.«1 …» المرحلتین، وإمّا أن لا یکون، فهی ممّا لا شاهد علیها ولا سبیل إلیها
کلام العراقی … ص: 237
ومنهم: المحقق العراقی، إذ قال:
لا ینبغی الإشکال فی أنّ العلم الاجمالی کالعلم التفصیلی فی کونه علّۀً تامّۀً لإثبات الإشتغال بالتکلیف وتنجیزه، علی وجهٍ یأبی العقل
عن الترخیص علی خلافه، ویشهد لذلک ارتکاز المناقضۀ هنا کما فی العلم التفصیلی، فإنها من تبعات علّیۀ العلم الإجمالی وتنجیزیّۀ
حکم العقل بالاشتغال، ولولا علیّته لما تحقّقت المناقضۀ المزبورة.
«2» . وبذلک یتّضح فساد القول بالاقتضاء، فضلًا عن القول بعدم الاقتضاء رأساً وأنّه کالشک البدوي
__________________________________________________
.77 / 1) فوائد الاصول 3 )
. 2) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 46 )
ص: 238
کلام السیّد الخوئی … ص: 238
ومنهم: السیّد الخوئی، قال:
قد منع الشیخ قدّس سرّه عن ذلک، لکونه مستلزماً لوقوع المناقضۀ بین صدر الروایات وذیلها، وذلک لأن مقتضی إطلاق صدر
کلّ » وقوله علیه السلام فی حدیث عبداللَّه بن سنان « کلّ شیء هو لک حلال » الروایات کقوله علیه السلام فی روایۀ مسعدة بن صدقۀ
وأمثال ذلک ثبوت الحکم الظاهري فی أطراف العلم الإجمالی، إذ کلّ واحد من الأطراف « شیء فیه حلال وحرام فهو لک حلال
یشک فی حلیّته، فیصدق علیه هذا العنوان، ومقتضی إطلاق ذیلها والغایۀ المذکورة فیها- أعنی بها العلم بالحکم الواقعی أو معرفته
الشامل للعلم الإجمالی- هو عدم ثبوت الحکم الظاهري فی بعض الأطراف، وهذا معنی المناقضۀ بین ال ّ ص در والذیل، فإن نقیض
الموجبۀ الکلیۀ هی السالبۀ الجزئیۀ، فلابدّ من رفع الید عن إطلاق صدر الروایات وتقییده بالشبهات البدویۀ، أو عن إطلاق ذیلها
وتقییده بالعلم التفصیلی، ولا مرجح لأحدهما علی الآخر، فلا محالۀ تکون الروایات من هذه الجهۀ مجملۀ، فلابدّ من الرجوع فی مورد
العلم الإجمالی إلی حکم العقل، وقد عرفت أن العقل لا یفرّق بین العلم الإجمالی والتفصیلی فی المنجزیۀ، بعد ما لم یکن فی موارد
العلم ولو کان إجمالیاً مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بیان.
المذکورة فی ذیل بعض الأخبار « بعینه » ثم إنه قدّس سرّه ذکر شبهۀ لإثبات اختصاص الغایۀ بالعلم التفصیلی وحاصلها: أن کلمۀ
الواردة فی المقام، دالّۀ علی اعتبار العلم التفصیلی فی حصول الغایۀ.
وأجاب عنها: بأنه لا یستفاد من هذه الکلمۀ إلّاالتأکید، فإنه یصح عرفاً أن
صفحۀ 131 من 204
ص: 239
یقال: أعرف نجاسۀ إناء زید بعینه، فیما إذا علم بنجاسته وتردد بین إنائین ولم یکن إناء زید متمیزاً عن غیره.
أقول: یرد علی ما أفاده.
أولًا: إن العلم أو ما هو بمعناه المأخوذ غایۀ فی هذه الروایات ظاهر عرفاً فی خصوص ما یکون منافیاً للشک فی کلّ من الأطراف،
هو أن الغایۀ إنما هو الیقین المتعلق بعین « لا تنقض الیقین أبداً بالشک وإنما تنقضه بیقین آخر » : وبعبارة اخري: ظاهر قوله علیه السلام
ما تعلق به الشک بحیث یکون رافعاً له، لا مطلق الیقین ولو تعلق بغیر ما کان الشک متعلقاً به، وهذا واضح جداً، وعلیه، فالغایۀ لا
تحصل بالعلم الإجمالی، ولا یشمله ذیل هذه الأخبار، فالإطلاق فی صدرها بلا معارض.
وثانیاً: إن الشیخ رحمه اللَّه لا یلتزم بهذا، إذ لازمه عدم جریان الاصول فی أطراف العلم الاجمالی ولو لم یکن منجزاً بخروج بعض
أطرافه عن محلّ الابتلاء أو بغیر ذلک، فإذا علم المقلد إجمالًا بموت أحد شخصین مردد بین مقلّده وشخص آخر أجنبی عنه، فإن
لازم ذلک أن لا یتمکن من إجراء الإستصحاب فی حیاة مقلّده.
لا تدلّ علی اعتبار التمییز بل تکون للتأکید، وإن کان متیناً فی الجملۀ، ولکنه لا یتم فی جمیع « بعینه » وثالثاً: إن ما أفاده من أن کلمۀ
الروایات الثلاثۀ التی ذکرت فیها هذه الکلمۀ، فإن فی روایۀ عبداللَّه بن سنان عن الصادق علیه السلام:
ومن الواضح أن معرفۀ الحرام من الشیء بعینه فرع ،« کلّ شیءٍ فیه حلال وحرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه »
تمییزه عن غیره، وهکذا معرفۀ
ص: 240
النجس من الشیء، وهذا بخلاف معرفۀ أن الشیء نجس بعینه الذي مثّل به الشیخ قدّس سرّه، وکم فرق بین التعبیرین بحسب الظهور
العرفی، فذیل هذه الروایۀ غیر شامل لأطراف العلم الإجمالی، فلا مانع من التمسک باطلاق صدرها وإن قلنا بإجمال غیرها من
الروایات، وسیأتی تفصیل الکلام إن شاء اللَّه فی خاتمۀ الإستصحاب.
«1» . فالصحیح: أن المانع عن إجراء الاصول فی المقام ثبوتی لا إثباتی
کلامٌ للسید البروجردي ومناقشته … ص: 240
أن ما ذکر- من عدم إمکان جعل المرخّص فی الأطراف- تامٌ فی موارد قیام العلم الإجمالی کما تقدّم، :«2» وذکر السیّد البروجردي
وأمّا إنْ کان القائم علی الموضوع أو التکلیف هو الحجۀ الشرعیّۀ غیر العلم فلا. مثلًا: لو قامت البیّنۀ علی نجاسۀ أحد الإناءین، فالشبهۀ
موضوعیّۀ والحجۀ هی البیّنۀ، أو کانت الشبهۀ حکمیۀ، کأنْ یقوم خبر الواحد علی الوجوب المردّد بین الظهر والجمعۀ، فإنه یحتمل
کذب البیّنۀ واشتباه المخبر، وحینئذٍ، یمکن جعل الأصل المرخّص، لإمکان رجحان مصلحۀ الترخیص علی مصلحۀ العمل بالحجۀ.
فظهر الفرق بین العلم والحجّۀ.
وفیه:
إن جعل المرخّص فی الأطراف معلّق- بحکم العقل- علی أنْ لا یکون ترخیصاً فی القبیح، ولزوم الترخیص فی القبیح الممنوع عقلًا
حاصل فی موارد
__________________________________________________
.91 -90 / 1) دراسات فی علم الاصول 3 )
.39 / 2) حاشیۀ الکفایۀ 2 )
ص: 241
صفحۀ 132 من 204
قیام الحجّۀ کموارد العلم الإجمالی بلا فرق.
لقد تقدّم أنّ العقل یحکم بحرمۀ المخالفۀ القطعیّۀ لتکلیف المولی من باب أنّ مخالفته هتک له، وحکمه بحرمۀ هتکه تنجیزي یمنع
من جعل الترخیص، وحکمه بذلک لیس من جهۀ قیام العلم بما هو علم، بل لأن العلم أحد مصادیق الحجّۀ، فالملاك عند العقل هو
قیام البیان علی التکلیف الشرعی، فإذا قام بأيّ حجۀٍ من الحجج لم یجز الخلاف لأنه هتک له، فلا یجوز جعل المرخّص.
وهذا تمام الکلام فی مرحلۀ ثبوت التکلیف بالعلم الإجمالی وحرمۀ مخالفته.
ص: 242
الکلام فی سقوط التکلیف بامتثاله إجمالا … ص: 241
اشارة
فهل یسقط التکلیف بالعلم الاجمالی بالإمتثال، وتحصل الإطاعۀ ویسقط التکلیف بذلک؟
هنا جهات من البحث:
الجهۀ الاولی هل یکفی الإمتثال العلمی الإجمالی مع التمکن من الإمتثال التفصیلی؟
الجهۀ الثانیۀ هل یکفی الإمتثال الظنّی مع التمکن من الإمتثال العلمی الإجمالی؟
والجهۀ الثالثۀ هل یمکن الاکتفاء بالإمتثال الإجمالی مع التمکن من الإمتثال التفصیلیّ الظنّی بالظن المطلق بناءً علی الإنسداد؟
وجوه الإشکال فی کفایۀ الإمتثال الإجمالی … ص: 242
وجه الإشکال فی الاکتفاء فی هذه الموارد امور:
-1 اعتبار قصد الوجه فی الواجبات، وقد ادّعی الإجماع علی ذلک، کما یظهر بالتتبّع فی کلمات المحقق فی الشرائع والعلامۀ فی
.«1» التذکرة والمنتهی، والشهید الأوّل فی الدروس والثانی فی المسالک والمحقق الثانی وغیرهم
__________________________________________________
.625 / 1) انظر: مفتاح الکرامۀ فی شرح قواعد العلّامۀ 6 )
ص: 243
کما اقیم الدلیل أیضاً علی اعتبار قصد الوجه والتمییز.
-2 أخبار وجوب التعلّم. فإن إطلاقها یشمل الأحکام الشرعیّۀ.
-3 لزوم التکرار فی العبادة، وهو ینافی العبادیّۀ، لاستلزامه العبث بأمر المولی.
-4 ضرورة رعایۀ مراتب الامتثال، فمع التمکن من المرتبۀ السّابقۀ لا تجزي المرتبۀ اللّاحقۀ.
الکلام علی اعتبار قصد الوجه فی العبادات … ص: 243
أمّا الإجماع علی اعتبار قصد الوجه، فدعوي تحصیله مشکلٌ، وعلی فرضه، فإنه غیر کاشف عن رأي المعصوم أو الدلیل المعتبر، لکونه
محتمل الاستناد إلی بعض الوجوه العقلیّۀ، کقولهم: بأن الأحکام الشرعیّۀ ألطاف فی الواجبات العقلیّۀ، فالموضوع للحکم هو الواجب
العقلی، وحینئذٍ، یکون الحکم بالحسن والقبح مترتّباً علی الموضوع، فإذا لم یقع العمل بعنوان الموضوع وبقصده بالخصوص، لم
یترتب علیه الأثر.
صفحۀ 133 من 204
وهذا هو الوجه الأوّل فی الاستدلال علی اعتبار قصد الوجه فی العبادات.
وهو باطلٌ، لاستلزامه کون أوامر الشارع فی العبادات إرشادیّۀً إلی الأحکام العقلیّۀ، فیسقط الشارع عن المولویّۀ، وقد تقرّر أن العقل لا
مولویّۀ له بل هو مدركٌ فقط … وسقوط أحکام الشارع عن المولویّۀ باطل.
وحلّ المطلب هو: إن الأحکام الشرعیّۀ معلّلۀ بالأغراض المتعلّقۀ بالملاکات، فالأحکام تابعۀ للملاکات، هذا صحیح، ولکنْ لا دلیل
علی أن یکون
ص: 244
«1» « أَقِمِ الصَّلاةَ » الملاك هو الموضوع للحکم حتی یُقصد … فإنّ الشارع یقول
«2» « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْکَرِ » ، ویقول
فهل یقصد الناهی عن الفحشاء والمنکر لدي إقامۀ ال ّ ص لاة؟ بأي دلیلٍ؟ إنه قال: الصلاة واجبۀ، ولم یقل: النهی عن الفحشاء واجب،
فمقام الإثبات لا یساعد علی ما ذکر.
الوجه الثانی: إنه مقتضی قاعدة الإشتغال، وذلک:
لأنا نحتمل مدخلیّۀ قصد الوجه فی تحقق الإطاعۀ، وهذا الاحتمال کافٍ لوجوب الإتیان بالعمل بقصد الوجه وعدم کفایۀ الامتثال
الإجمالی، لأن قصد الوجه فرع وجود الحکم، لأنه من شئون الحکم، ولا یمکن أخذ الفرع فی الحکم، لِما تقرّر- فی بحث التعبّدي
والتوصّلی- من عدم إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر، وعلیه، فإنْ أمکن رفع هذا الوجوب بأصلٍ لفظی أو عملی فهو، وإلّا وجب
التحقیق عن الوجه اجتهاداً أو تقلیداً والإتیان بالعمل بقصده … ولا أصل فیما نحن فیه، أمّا اللّفظی، فلا یجري الإطلاق، لعدم إمکان
التقیید، سواء قلنا بأن النسبۀ بینهما هو نسبۀ السلب والإیجاب أو العدم والملکۀ. وأمّا العملی، فلیس إلّا البراءة، لکنّ قصد الوجه لا
یمکن رفع وجوبه بها، لأنه لا یمکن أخذه فی متعلّق التکلیف کما تقدم، فما لا یمکن وضعه لا یمکن رفعه.
وإذا کنّا نحتمل دخل قصد الوجه ونشکّ فی تحقق الامتثال بدونه، ولا أصل رافع للحکم، فلا یحصل الامتثال إلّابقصد الوجه. کما أن
قاعدة الإشتغال بالغرض من التکلیف أیضاً تقتضی وجوب تحصیل قصد الوجه.
__________________________________________________
. 1) سورة الإسراء: 78 )
. 2) سورة العنکبوت: 45 )
ص: 245
والجواب
إنّ هذا الوجه یبتنی علی مقدّمتین.
الاولی احتمال دخل الوجه فی الغرض وجداناً، وأنه لا یمکن أخذه فی المتعلّق.
والثانیۀ إنّ کلّ ما یحتمل دخله فی الغرض الذي لا یتمکّن المولی من البیان له یحکم العقل بلزوم الإتیان به.
لکنّ الکلام فی المقدّمۀ الثانیۀ.
أمّا علی القول بأنه: لا یمکن أخذ قصد الوجه لا بالأمر الأوّل ولا بالأمر الثانی- کما علیه المحقق الخراسانی-، فإنه تجري قاعدة
الاشتغال ولا مجال للبراءة، لأن الأمر یکشف إنّاً عن الغرض فهو علّۀ للأمر، وما لم یحصّل الغرض لم یسقط الأمر، ومع الشک فی
تحصیل الغرض بلا قصدٍ للوجه، فالمحکّم قاعدة الاشتغال.
وما قیل- من جریان البراءة العقلیّۀ، لأن الغرض یمکن أن یکون قائماً فی الواقع بال ّ ص لاة مع قصد الوجه، لکن المولی غیر قادر علی
بیان ذلک، والأمر غیر کاشف عن هذه الخصوصیّۀ، وإذْ لا بیان عن الغرض، فهو مجري قاعدة البراءة-.
صفحۀ 134 من 204
فیه: إن قاعدة قبح العقاب بلا بیان إنما تجري حیث یکون البیان مقدوراً، والمفروض أن المولی غیر متمکّن من بیان دخل القصد فی
الغرض مع احتماله واقعاً، وعلیه، فلا یجري البراءة بل الجاري أصالۀ الاحتیاط، بمقتضی وظیفۀ العبودیۀ. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنه بمجرّد عدم الجزم بحکم العقل بقبح العقاب، واحتمال
ص: 246
استحقاقه، یتمُّ الموضوع لقاعدة الإحتیاط، لأن دخل القصد فی الغرض الواجب تحصیله منجّز عقلًا کالقطع به، وقد ظهر أنْ لا دافع
لهذا الاحتمال.
إلّا أنّ الکلام فی صغري المقام، وهو عبارة عن عدم تمکّن المولی من بیان الغرض، أمّا علی القول بإمکان قصد الوجه فی المتعلّق-
کما علیه المحقق العراقی- فواضحٌ، لأن المولی بناءً علیه متمکّن من البیان ولم یبیّن، فیؤخذ بأصالۀ الإطلاق. وأمّا علی القول بإمکان
ذلک بالأمر الثانی- کما علیه المیرزا- فإنه یؤخذ بنتیجۀ الإطلاق.
وأمّا المحقق الخراسانی- القائل بعدم الإمکان لا بالأمر الأوّل ولا بالأمر الثانی- فجوابه عن هذا الدلیل هو: التمسّک بالإطلاق المقامی،
بأنه: لو کان قصد الوجه دخیلًا فی الغرض، فلا یخلو إمّا أنّ دخله فیه ممّا لا یغفل عنه المکلّفون عموماً، فلا یجب علیه البیان، وإمّا أنّه
ممّا یغفلون عنه وهو فی مقام البیان، فالواجب علیه البیان لئلّا یلزم الإغراء بالجهل، وإذ لم یأت البیان والتنبیه علی الغرض، فالإطلاق
المقامی ثابت.
فظهر سقوط الاستدلال علی جمیع الأقوال.
وعلیه، فلا مانع من الإمتثال الإجمالی من ناحیۀ قصد الوجه.
تفصیل المیرزا … ص: 246
:«1» وذهب المیرزا إلی التفصیل بین موارد الإمتثال الإجمالی. وحاصل کلامه
__________________________________________________
.75 / 1) أجود التقریرات 3 )
ص: 247
أمّا فی الشبهۀ الموضوعیّۀ، فلا کلام فی کفایۀ الامتثال الإجمالی وجواز الإحتیاط، ولا حاجۀ إلی الإتیان بالعمل عن اجتهاد أو تقلید.
وفی الشبهۀ الحکمیّۀ بعد الفحص أیضاً، لا ریب فی حسن الاحتیاط.
إنما الکلام فی الشبهۀ الحکمیّۀ قبل الفحص، حیث أنّ التکلیف منجّز، فهل یکفی الامتثال الإجمالی أوْلا؟
وکذلک فی مورد دوران الأمر بین المتباینین، حیث أن التکلیف منجّز بالعلم الإجمالی، کدوران الأمر بین الظهر والجمعۀ، فهل یجب
تحصیل العلم التفصیلی أو یکفی الإمتثال الإجمالی؟
ولو دار الأمر بین الأقلّ والأکثر، کما فی السّورة فی الصلاة هل هی واجبۀ أو مستحبّۀ، جاز الامتثال الإجمالی، ومثله الشک فی وجوب
جلسۀ الإستراحۀ وعدم وجوبها.
وقد یدور الأمر بین الأقل والأکثر إلّاأن مورد الشک مردّد بین المتباینین، کما لو شک فی حکم القراءة فی صلاة الجمعۀ أنّها عن جهرٍ
أو إخفات، فبین الجهر والإخفات تباین … وقد ذهب فیه إلی إمکان الامتثال الإجمالی.
ولما ذهب إلیه المیرزا من التفصیل مقدّمات:
الاولی: إن الحاکم فی باب الإطاعۀ والعصیان هو العقل، والأوامر الشرعیّۀ فی هذا الباب کلّها إرشاد إلی حکم العقل، وإنْ کان للشارع
أن یعتبر خصوصیّۀ أو یشترط شرطاً مثلًا فی حال قدرته علی ذلک … وإذا کان الحاکم هو العقل، فمن أمکنه الإطاعۀ عن اجتهاد أو
صفحۀ 135 من 204
تقلید، فلا یکفی الاحتیاط … إلّاإذا أذن المولی بذلک، وإلّا فمقتضی قاعدة الاشتغال عدم براءة الذمّۀ.
ص: 248
الثانیۀ: إن العقل یري للامتثال مراتب.
فالاولی: الامتثال التفصیلی، وهو الامتثال عن حجۀٍ، سواء کان هو العلم أو الظن خاصّ أو الظن المطلق عند تمامیّۀ مقدمات الإنسداد.
والثانیۀ: الإطاعۀ الإجمالیّۀ، فإنها مقدّمۀ علی الظنیّۀ، لأنه بعد الفراغ یعلم بحصول الامتثال للأمر وإنْ جاهلًا بالخصوصیّۀ، کما لو صلّی
الظهر والجمعۀ کلتیهما.
والثالثۀ: الإمتثال الظنی.
والرابعۀ: الإمتثال الاحتمالی.
الثالثۀ إنه لا ریب فی تقدّم الظنی علی الاحتمالی. قال: والامتثال التفصیلی مقدّم علی الإجمالی، لأنه یکون منبعثاً عن أمر المولی
وبعثه، والعقل حاکم بضرورة تحرّك العبد بأمر مولاه، مع التمکّن من ذلک، فإن الإطاعۀ الإجمالیّۀ لیست إطاعۀً لأمر المولی، ولو
شکّ فی کفایۀ الإمتثال الإجمالی عن التفصیلی، فإن مقتضی الأصل هو التعیین.
المناقشۀ مع المیرزا … ص: 248
أوّلًا: إن الإنبعاث فی جمیع الموارد من البعث، والدّاعی للإطاعۀ فیها هو أمر المولی، نعم، للعلم والإحتمال دخل فی الدّاعویّۀ، لکنّ
الدّاعی والمحرّك هو الأمر، فإذا أتی بالعمل بداعی الأمر فقد امتثل، ولا فرق بین الموارد.
وفیه: إنّ الأمر- وکذا النهی- له وجود قائم بنفس الآمر والناهی، فتارةً:
یتحقّق له صورة ذهنیّۀ، واخري: لا، وإذا تحقّقت فتارةً: لا یحتمل معها الخلاف واخري: یحتمل، وعلی الأوّل، فتارةً: تکون الصّورة
مطابقۀً للواقع، واخري:
ص: 249
مخالفۀً له.
وعلی کلّ حالٍ، فإن التحرّك یکون دائماً من الصّورة الخارجیّۀ.
إنّ حکم الأمر والنهی حکم سائر الأشیاء، فإنّ الذي یحرّك العطشان، لیس الوجود الخارجی للماء، بل الصّورة الذهنیّۀ له.
والحاصل: إنه لیس الداعی هو الأمر بنفسه، بل الدّاعی هو الصّورة النفسانیّۀ، وإلّا یلزم خارجیّۀ النفسانی أو نفسانیّۀ الخارج، وکلاهما
غیر معقول.
مردود. «1» فما أفاده صاحب المستمسک
ثانیاً: إن الإنقیاد للمولی حسن، إلّاإذا طرأ علیه عنوان آخر، فهو کالصّدق فإنّه حسن عقلًا إلّاإذا استلزم هلاك المؤمن مثلًا، فإنّه مع طرّو
هذا العنوان یصیر قبیحاً.
وعلیه، فإن العمل الإحتیاطی لمّا کان انقیاداً للمولی فهو حسن، فإنْ کان التمکن من الإطاعۀ التفصیلیّۀ موجباً لقبح الإطاعۀ الإجمالیّۀ،
تمّ الاستدلال المذکور، لکنّ ذلک باطل قطعاً، فإنّ التمکن من الامتثال التفصیلی لیس مثل لزوم هلاك المؤمن لیکون الامتثال
الإجمالی قبیحاً … کما أنّ حسن الإحتیاط لیس متقوّماً بعدم التمکن من الإمتثال التفصیلی … وحینئذٍ، یکون حسنه والإنقیاد به بلا
.«2» مزاحم، فیتحقق به الإمتثال، سواء أمکن الإمتثال التفصیلی أوْلا. قاله المحقق الإصفهانی
وفیه: إن هذا سهو من قلمه، لأن الانقیاد یقابله التجرّي، وقد ذکر سابقاً أن
__________________________________________________
صفحۀ 136 من 204
.57 / 1) حقائق الاصول 2 )
.114 / 2) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 250
قبح التجرّي هو من باب لزوم هتک المولی، والهتک ظلمٌ، فیکون الانقیاد له حسناً وهو عدل، وحسن العدل ذاتیُّ له وقبح الظلم ذاتی
له کذلک. فقیاس الانقیاد علی الصّدق غیر صحیح، وقد قرّر هو رحمه اللَّه أن حسن الصّدق اقتضائی وقبح الکذب اقتضائی، بخلاف
العدل والظلم، فإن الحسن والقبح ذاتیّان.
هذا بالنسبۀ إلی القیاس المذکور فی کلامه.
وأمّا أصل المطلب، فإن الانقیاد- مثل الإطاعۀ- موضوع لحکم العقل بالحسن وهو حسن ذاتی، لأن الانقیاد عدل فی العبودیّۀ، کما أنّ
التجرّي ظلم فی العبودیّۀ. هذا من جهۀ.
ومن جهۀٍ اخري: فإنّ العمل تارةً: توصّ لی، واخري: تعبدي. أمّا التوصّ لی فخارج عن البحث، وأمّا التعبّدي، فإنّ العقل- الحاکم فی
الباب- یحکم بلزوم الإتیان بالعمل مضافاً إلی المولی، وإذا کان العقل یکتفی فی تحقق العبادیّۀ بإضافۀ العمل إلی المولی، فلا فرق
بین الإضافۀ التفصیلیۀ والإجمالیۀ، إن لم یکن الإتیان بالعمل بداعی احتمال أمر المولی أقوي فی المقربیّۀ.
وهذا هو الجواب الصحیح عن کلام المیرزا.
ثالثاً: إنه إنْ احتمل دخل الإمتثال التفصیلی فی حصول الغرض، فإنّ هذا الاحتمال یرتفع بحدیث الرفع، توضیحه:
إنّ المولی إذا کان غیر متمکّن من البیان بالأمر الأوّل، لکون الإمتثال التفصیلی متأخّراً فی الرتبۀ عن مرتبۀ تعلّق الأمر، فقد کان بإمکانه
بیان ذلک بالأمر الثانوي، فیکون مجري حدیث الرفع، لأن ذلک کان ممّا یمکن وضعه، فهل هو موضوع أوْلا؟ رفع ما لا یعلمون.
ص: 251
.«1» وهذا الإشکال من المحقق الإصفهانی أیضاً
وفیه: هذا الإشکال نشأ من عدم التدبر فی کلام المیرزا. لقد قاس الإصفهانی اعتبار الامتثال التفصیلی علی اعتبار قصد الوجه، وأنّ
البراءة تجري هنا کما جرت هناك. وذهب الإصفهانی إلی إمکان اعتبار الإمتثال التفصیلی بالأمر الثانوي.
لکن المیرزا قال فی الدّورة الاولی: بأنه لا یقاس الإمتثال التفصیلی بمسألۀ اعتبار قصد الوجه، للفرق بینهما، لأنّ قصد الوجه یمکن
أخذه فی المتعلّق بالأمر الثانوي، أيبنتیجۀ التقیید یمکن تقیید العمل بقصد الوجه، وإنْ کان قصد الوجه متأخّراً رتبۀً، ومع الشک
تجري البراءة، لدوران الأمر بین الأقل والأکثر، لکنّ هذا لا یجري فی اعتبار الإمتثال التفصیلی، لأنّ الأمر فیه دائر بین التعیین والتخییر،
ومقتضی القاعدة الأوّل.
.«2» هذا کلامه فی الدّورة الاولی
فقد طرح هذه المسألۀ، وذهب إلی عدم جواز البراءة من جهۀ أنها إنما تجري فیما یکون وضعه بید الشّارع، وقضیّۀ ،«3» أمّا فی الثانیۀ
الإمتثال التفصیلی ترجع إلی کیفیۀ الطّاعۀ والحاکم فیها هو العقل، فلا وضع فیها للشارع، لا تأسیساً ولا إمضاءً، وما کان کذلک فلا
یرفع.
فالإشکال علی المیرزا مندفع بما ذکره فی الدّورتین.
__________________________________________________
.114 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
.67 / 2) فوائد الاصول 3 )
.81 -80 / 3) أجود التقریرات 3 )
صفحۀ 137 من 204
ص: 252
بأنّ قول المیرزا إن تقیید المتعلّق بمرتبۀ الإمتثال عقلی، غیر صحیح، بل هو شرعی، لأنّ غرض :«1» ورابعاً: أشکل المحقق العراقی
المولی إنْ کان قائماً فی الواقع بکیفیۀٍ معیّنۀ من العمل، فإنّ کون غرضه بالنسبۀ إلی الإمتثال التفصیلی مهملًا محال، فإنْ کان للامتثال
التفصیلی دخل فی الغرض فهو مقیّد وإلّا فمطلق.
والحاصل رجوع الأمر إلی مرحلۀ الاشتغال، لأنه یتعلّق بکیفیۀ اشتغال الذمّۀ بالتکلیف، خلافاً للمیرزا، إذ أرجعه إلی مرحلۀ الإطاعۀ
والإمتثال، حیث الحاکم هو العقل … وإذا کان راجعاً إلی مرحلۀ الاشتغال، فإنّه من الممکن أن یبیّن الشارع أنه یرید العمل عن اجتهادٍ
أو تقلیدٍ، وإذْ لم یبیّن، فقاعدة قبح العقاب بلا بیان جاریۀ.
وهذا الإشکال قوي.
خامساً: وأشکل الاستاذ دام بقاه علی المیرزا: بأنّه إذا کان الحاکم فی مرحلۀ الامتثال والفراغ هو العقل، إلّاأن للشارع التصرّف فی
حکم العقل، بأنْ تجعل البدل وینزّل الفرد المشکوك الصحّۀ بمنزلۀ الصحیح، أو العمل المشکوك المقربیّۀ والمحقّق للامتثال حقیقۀً
…فإنا نقول: أمّا الواجب التوصّ لی إنما یتحقّق الامتثال فیه بالإتیان بما تعلّق به الطلب بلا شیء زائد علیه فهو خارج عن البحث، وأمّا
الواجب التعبّدي، فیعتبر فیه أنْ یکون الإتیان به علی وجهٍ قربی، لکنّ العقل یکتفی فی المقربیّۀ إلی المولی بمجرّد کون العمل مضافاً
إلیه، وأنه تحقّق الطّاعۀ بالإتیان بالعمل بداعی الغرض، أو بداعی الأمر، أو بداعی احتمال الغرض أو
__________________________________________________
69 . الهامش. -68 / 1) فوائد الاصول 3 )
ص: 253
الأمر … لأنّه تتحقّق الإضافۀ إلی بأي داعٍ من هذه الدواعی، ومجرّد الإضافۀ کاف فی تحقق الفراغ والامتثال.
وحینئذٍ، فلا یبقی ریب فی کفایۀ الامتثال الإجمالی حتی مع التمکّن من الامتثال التفصیلی.
الاحتیاط عبث ولعب بأمر المولی …؟ ص: 253
ومن الإشکالات علی الامتثال الإجمالی مع التمکن من التفصیلی هو: إنه لعبٌ بأمر المولی وعبث، والفعل العبث لا یحقّق الامتثال
والطاعۀ بل بینهما تضادّ.
وفی شرائط جریان الاصول- وملخّص کلامه فی المقام هو: إن العقل یدعو إلی الطاعۀ، ولا - «1» وقد تعرّض الشیخ لهذا المطلب هنا
یفرّق بین الطاعۀ التفصیلیّۀ والإجمالیّۀ، فالمهم أن یري المکلّف نفسه بعد العمل مطیعاً للمولی، وإنْ استلزم تکرار العمل، فإن المهم
إحراز الطاعۀ والإمتثال للتکلیف.
وهذا الکلام متین.
لکنّ الشیخ قد طرح إشکالات:
أوّلها: قد یقال: بأنّ تحقق الطّاعۀ بالإمتثال التفصیلی قطعی، وأمّا تحققها بالإمتثال الإجمالی بتکرار العمل، فمشکوك فیه.
والثانی: إن تکرار العمل خلاف سیرة المتشرعۀ.
والثالث: إنّه یعتبر الآتی بالعمل علی وجه التکرار لاعباً بأمر المولی.
والرابع: الاتفاق علی بطلان هکذا عمل. إدّعاه صاحب الحدائق.
والخامس: السیرة العقلائیّۀ.
__________________________________________________
صفحۀ 138 من 204
.71 / 1) فرائد الاصول 1 )
ص: 254
النظر فی الاشکالات المطروحۀ فی کلام الشیخ … ص: 254
أمّا السیرة العقلائیۀ، فهی بناءً علی تمامیّتها هنا دلیل لبّی، والقدر المتیقّن منها أنْ یکثر التکرار بحیث یخرج العمل عن العقلائیّۀ…
فلیس مطلق التکرار علی خلاف سیرة العقلاء.
وأمّا سیرة المتشرّعۀ، فکذلک، لأنّهم یستنکرون التکرار الکثیر، أمّا استنکارهم مطلق التکرار فأوّل الکلام. هذا أوّلًا. وثانیاً: إن سیرة
المتشرعۀ هی الإجماع العملی من أهل الشرع، ومتی احتمل استناد إجماعهم إلی دلیلٍ- کالاتفاق الذي ادّعاه صاحب الحدائق أو
الشک فی تحقق الطاعۀ- سقط عن الاعتبار.
وأمّا الاتّفاق- والظاهر من کلماته المختلفۀ اهتمامه به- ففیه: إنّ المسألۀ غیر مطروحۀ فی کلمات قدماء الأصحاب. وعلی فرض تحقّقه،
فإنه إجماع منقول وهو لیس بحجّۀ عند الشیخ وغیره … علی أنه محتمل الاستناد.
وأمّا الشک فی تحقق الطاعۀ بالتکرار مع التمکن من الإمتثال التفصیلی.
فالجواب عنه: إن حقیقۀ الطاعۀ هی الإتیان بما تعلّق به التکلیف، والمفروض تحقّقها بعد العمل یقیناً، وقد تقدّم أنْ لا یدخل
للخصوصیّۀ فی تحقّقها.
بأنه لا لعب مع الغرض العقلائی. :«1» وأمّا أنّ التکرار لعبٌ، فقد أجاب صاحب الکفایۀ
لکنْ فیه: إن المطلوب مقربیّۀ العمل إلی المولی، ولیس الغرض العقلائی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 274 )
ص: 255
ممّا یتحقّق به القرب.
والصحیح فی الجواب: إن اللّعب إنّما یصدق مع کثرة التکرار. هذا أوّلًا.
وثانیاً: اللّعب إنْ کان، فهو فی کیفیۀ الطّاعۀ لا فی نفسها.
منافاة الإحتیاط مع روایات التعلّم … ص: 255
والإشکال الأخیر علی القول بکفایۀ الامتثال الإجمالی عن التفصیلی هو:
منافاته مع الروایات الکثیرة الآمرة بالتعلّم، فإنّها تقتضی وجوب الإتیان بالعمل عن الإجتهاد أو التقلید، لأنه یکون عن علمٍ، فالقول
بکفایۀ الإمتثال الإجمالی طرح لجمیع هذه الروایات.
والجواب
إن الوجوب فی الشریعۀ علی أقسام:
أحدها: الوجوب النفسی فإنْ کانت الروایات دالّۀً علی وجوب التعلّم وجوباً نفسیّاً، بأن یکون الغرض من جعل التکلیف قائماً بنفس
العمل، فالإشکال وارد.
والثانی: الوجوب الإرشادي، بأنْ یکون ارشاداً إلی حکم العقل.
والثالث: الوجوب الغیري، بأنْ تکون المصلحۀ غیر قائمۀ بالعمل بل بما یراد الوصول إلیه بالعمل.
صفحۀ 139 من 204
والرابع: الوجوب الطریقی، بأنْ یکون الداعی إلی الجعل هو التحفّظ علی الواقع کما فی موارد جعل الاحتیاط، وقد یجعل الإحتیاط
بملاك أنه یقوّي العزم علی الإطاعۀ وحصول الملکۀ، فیکون وجوبه نفسیّاً.
أمّا حمل روایات التعلّم علی الإرشاد، فغیر صحیح، لإمکان حملها علی
ص: 256
المولویّۀ ثبوتاً، والأصل فی الخطابات الشرعیّۀ هو المولویّۀ.
وأمّا حملها علی الوجوب الغیري، بأنْ یکون التعلّم واجباً شرعاً من باب المقدّمۀ، فهذا أوّل الکلام، للاختلاف فی وجوب مقدّمۀ
الواجب بالوجوب الشرعی. هذا أوّلًا. وثانیاً: إن مورد الوجوب الغیري المقدّمی هو ما یکون ذو المقدّمۀ موقوفاً علی المقدمۀ فی
الوجود، ولیس التعلّم ما یتوقف وجود ذي المقدّمۀ علیه، بل التعلّم مقدّمۀ علمیّۀ لذي المقدّمۀ، والفرق بین المقدّمۀ الوجودیّۀ
والمقدّمۀ العلمیّۀ واضح.
فیدور أمر وجوب التعلّم بین أن یکون نفسیّاً أو طریقیّاً، لکنّه لیس وجوباً نفسیّاً، لوجهین:
إن اللَّه تعالی یقول للعبد یوم القیامۀ: » : أحدهما: ما اشتملت تلک الروایات علیه من القرینۀ علی عدم النفسیّۀ، مثل الخبر
عبدي، أکنت عالماً؟
فإنْ قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟
وإنْ قال: کنت جاهلًا، قال له: أفلا تعلّمت حتی تعمل؟ فیخصمه.
.«1» « فتلک الحجۀ البالغۀ
فیظهر أن التعلّم لیس مطلوباً بنفسه.
والثانی: إنه یستلزم تعدّد العقاب إذا ترك العمل، وهذا خلاف الإجماع بالضرورة.
فتعیّن أن یکون الوجوب فی هذه الروایات طریقیّاً، والوجوب الطریقی
__________________________________________________
.479 / 1) تفسیر کنز الدقائق 3 )
ص: 257
یجتمع مع الاحتیاط ولا یمنع عنه، لأنّ الوجوب الطریقی إنّما هو لحفظ الواقع، ووجوب التعلّم لحفظ الواقع کذلک.
تنبیهات … ص: 257
اشارة
بعد الفراغ عن کفایۀ الإمتثال الإجمالی عن التفصیلی، تبقی امور:
حکم الاحتیاط فی العقود … ص: 257
الأول: هل یمکن الإحتیاط فی العقود والإیقاعات، أو یعتبر الجزم فی النیّۀ؟
العقد أو الإیقاع إنشاء، وفی حقیقۀ الإنشاء أقوال:
أحدها: إنّه إیجاد للمنشأ فی عالم الاعتبار، وهذا هو المعروف.
والثانی: إنه اعتبار وإبراز. وعلیه المحقّقان العراقی والخوئی.
صفحۀ 140 من 204
والثالث: إنه إیجاد اعتباري، وهو للمحقق الإصفهانی.
وعلی کلّ الأقوال: یعتبر أن لا یکون المنشئ متردّداً أو شاکّاً فی مقام الإنشاء، والإحتیاط ینافی الجزم.
فهذا وجه الإشکال.
والجواب: إنه لدي الاحتیاط لا تردید للمنشئ فی النیّۀ، بل هو جازم بوقوع الزوجیّۀ أو البینونۀ، نعم، التردّد موجود فی ما به تعلّق
وهذا أمر آخر. « زوّجت » و « أنکحت » الإمضاء ممّن یعتبر إمضاؤه فیه، فلذا یکرّر، ویجمع بین
حکم الإحتیاط بناءً علی الإنسداد … ص: 257
الثانی: إنه إذا کفی الامتثال العملی الإجمالی عن الامتثال العلمی التفصیلی
ص: 258
مع التمکن منه، فهو یکفی عن الامتثال الظنی التفصیلی بالأولویّۀ- القطعیّۀ-، فلو قام خبر الواحد علی شیء، فلا مانع من الاحتیاط فی
مورده.
إنما الکلام فی الظن المطلق بناءً علی الإنسداد، ویختلف الأمر علی الخلاف فی نتیجۀ المقدمات من حیث الکشف والحکومۀ.
إن مقدّمات الانسداد هی: أنّا نعلم بأن فی الشریعۀ أحکاماً مطلوبۀً منّا لسنا مهملین تجاهها. لکنّ طریق العلم بها وکذا طریق العلمی-
أيالظن الخاصّ- منسدٌ، والرجوع إلی الأصل النافی للحکم باطلٌ، وکذا الرجوع إلی الفقیه القائل بالانفتاح، وکذا الرجوع إلی القرعۀ
فقیل: بعدم جواز العمل .« الإحتیاط » للکشف عن الأحکام الشرعیۀ، لأنها إنما تجري فی الشبهات الموضوعیۀ، فلا یبقی طریق إلا
.« الحکومۀ » وقیل: بعدم وجوب الإحتیاط وتکون النتیجۀ .« الکشف » بالاحتیاط، وتکون النتیجۀ
توضیحه: إنّه علی القول باعتبار قصد الوجه فی العبادات، فإن الاحتیاط غیر جائز، وحینئذٍ، یکشف عن حکم الشارع بحجیۀ الظن
المطلق، وإلّا یلزم العمل بالاحتمال والوهم، وهو مرجوح بالنسبۀ إلی الظن، وترجیح المرجوح قبیح.
إذنْ، یُعمل بالظن المطلق، والاحتیاط باطل.
وأمّا علی القول بعدم اعتبار قصد الوجه، فالاحتیاط جائز لکنْ غیر واجب، نعم، إن استلزم اختلال النظم أو العسر والحرج، فغیر جائز،
لکنّ عدم الجواز- هذا- حکم عرضی ثانوي … فهنا یقول العقل بالاحتیاط من باب أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، ومقتضی ذلک هو
الأخذ بالمظنونات وترك الموهومات.
ص: 259
حکم الإحتیاط مع وجود الظنّ الخاص … ص: 259
الثالث: هل هناك مع وجود الظن الخاص تخییرٌ للمکلّف فی مقام العمل، بأنْ یعمل أوّلًا بمقتضی الظن ثم یأتی بالاحتیاط، أو
بالعکس، أو علیه أوّلًا الإطاعۀ الظنیّۀ ثم له أن یأتی بالاطاعۀ الإحتمالیۀ؟
قال الشیخ والمیرزا الشیرازي بعدم التخییر وتعیّن تقدیم الإطاعۀ الظنیۀ.
وخالف الاستاذ، لأنه مع قیام خبر الثقۀ- مثلًا- یلغی احتمال الخلاف تعبّداً أمّا وجداناً فلا، ومع وجود احتمال الخلاف بالوجدان،
فالاحتیاط حسن، ولکنْ لا دلیل علی تقدیم العمل بمقتضی الظن الخاص، والمحققان المذکوران لم یذکرا دلیلًا.
هذا تمام الکلام فی مباحث القطع.
ص: 261
صفحۀ 141 من 204
مباحث الظّن